"الوعد الصادق الثانية".. زلزال استراتيجي في عمق الكيان الصهيوني يهزّ ميزان الردع ويؤسس لمعادلة جديدة

أمس, 13:12
877

في الذكرى السنوية الأولى لعملية "الوعد الصادق الثانية"، يتجدد الحديث في الأوساط السياسية والعسكرية عن أحد أبرز التحولات الاستراتيجية في ميزان القوى بالمنطقة، حيث لم تقتصر العملية التي نفذها الحرس الثوري الإيراني في الأول من تشرين الأول 2024 على كونها ردًا مباشرًا على سلسلة اغتيالات استهدفت قيادات من محور المقاومة، بل تحولت إلى إعلان واضح عن ميلاد مرحلة جديدة من الردع الإيراني الفعّال، ورسالة مفادها أن التهديدات ضد طهران وحلفائها لن تمر بعد اليوم من دون ثمن باهظ.

 

العملية التي نفذتها قوات الجو- فضاء التابعة للحرس الثوري استهدفت مراكز عسكرية وأمنية إسرائيلية وصُنفت على الفور كأكبر ضربة مباشرة يتعرض لها الكيان منذ عقود من طرف دولة إقليمية. وقد أظهرت الهجمات التي نُفذت بصواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة متطورة قدرة غير مسبوقة على اختراق أنظمة الدفاع المتعددة الطبقات، بما في ذلك منظومة "القبة الحديدية" التي لطالما افتخرت بها تل أبيب واعتبرتها حصنًا مانعًا في وجه أي تهديدات صاروخية.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

 

في بيان رسمي، أكد الحرس الثوري أن هذه العملية لم تكن مجرّد انتقام، بل فصلٌ استراتيجي في معادلة الردع، موجّهًا إنذارًا شديد اللهجة إلى العدو بأن أي خطأ جديد سيقابل برد أقسى وأشد تدميرًا. 

 

وأضاف البيان أن الرد الإيراني جاء نتيجة سلسلة اعتداءات نفذتها إسرائيل خلال العام الماضي، كان أبرزها اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والسيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، بالإضافة إلى اللواء عباس نیلفروشان نائب قائد العمليات في الحرس الثوري الإيراني. ومع تصاعد الغضب داخل محور المقاومة، جاء الرد الإيراني كضربة نوعية غير تقليدية أعادت رسم قواعد الاشتباك.

 

عملية قلبت معادلات الردع

 

وقد شكّلت "الوعد الصادق الثانية" صدمة استراتيجية للمؤسسة الأمنية والعسكرية في تل أبيب، إذ لم تكن المشكلة فقط في تلقي الضربات، بل في أن تلك الضربات جاءت بشكل متزامن، منسّق، ومن مواقع متعددة، ما عكس حجم التطور التقني والاستخباراتي الإيراني. مراقبون دوليون، من مراكز بحث غربية وروسية، أشاروا إلى أن طهران استخدمت مزيجًا من الصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى، بالإضافة إلى أسراب من المسيّرات الذكية التي أربكت الدفاعات الإسرائيلية.

 

القبة الحديدية في مرمى الفشل

 

وأشارت تحليلات عسكرية نُشرت لاحقًا إلى أن الهجوم الإيراني كشف عن نقاط ضعف جوهرية في بنية "القبة الحديدية"، ليس فقط على مستوى الاعتراض، بل أيضًا على مستوى التشويش والتضليل الإلكتروني.

 

وفي هذا السياق، أشار أحد المحللين العسكريين الغربيين إلى أن إسرائيل لم تعد تواجه "تهديدًا بسيطًا من الحدود"، بل باتت تحت مرمى قوة إقليمية لديها قدرة على تنفيذ ضربات دقيقة من مسافات بعيدة، دون أن تتمكن تل أبيب من تعطيلها مسبقًا أو التعامل معها في الوقت الحقيقي. وأضاف أن طهران أثبتت في هذه العملية أنها تمتلك اليد العليا في معادلة "الرد في العمق"، وهو تطور يغير من الحسابات العسكرية والاستخباراتية داخل إسرائيل وحلفائها الغربيين.

 

ومع أن إسرائيل ردّت بعد نحو ثلاثة أسابيع، في 26 أكتوبر، بغارات جوية استهدفت مواقع عسكرية إيرانية في طهران وخوزستان وإيلام، فإن الرد وُصف من قبل محللين عسكريين بأنه جاء متأخرًا وضعيف التأثير، بل إنه أعاد التأكيد على ما أرادت طهران إيصاله: أن أي رد إسرائيلي لم يعد قادرًا على كبح يد إيران أو ردعها عن ضرب العمق الإسرائيلي. وفيما التزمت إيران الهدوء بعد هذه الغارات، بدا أن قيادتها تُراكم أوراق القوة وتحافظ على عنصر المفاجأة للمرحلة المقبلة.

 

الوعد الصادق.. اسم يرعب العدو

 

العملية، برأي العديد من المراقبين، شكّلت أيضًا لحظة سقوط للرواية الإسرائيلية حول "تفوقها التكنولوجي والأمني". فبعد أن روّجت لسنوات أن بإمكانها ضرب أذرع إيران في المنطقة دون أن تطالها النار، جاء الرد الإيراني ليؤكد أن اليد التي تضرب لها يد تضربها، وأن كل اعتداء سيقابله رد مكافئ أو أشد، وبدقة قد تفوق التوقعات.

 

دوليًا، قوبلت العملية بقلق شديد في العواصم الغربية، بعض القوى حاولت التهوين من نتائجها في الإعلام، لكن مؤسسات تحليل استراتيجية، مثل مركز الدراسات العسكرية البريطاني RUSI، أكدت أن الضربة الإيرانية نقلت ميزان الردع في الشرق الأوسط إلى مرحلة جديدة. وأضافت أن إسرائيل لم تعد فقط أمام تهديدات من غزة أو جنوب لبنان، بل أمام دولة تملك القدرة على شن ضربات جوية استراتيجية بدقة وفعالية عالية.

 

وفي الداخل الإيراني، تحوّلت "الوعد الصادق الثانية" إلى رمز جديد للفخر الوطني والاستعداد العسكري، وأشاد قادة البلاد، على رأسهم قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، بقدرة القوات الإيرانية على ضرب العدو في عمقه، مشيرًا إلى أن ما بعد هذه العملية لن يشبه ما قبلها. وقد صرّح في إحدى المناسبات بأن "أمن العدو لن يكون على حساب أمننا، ومن يهددنا سيدفع الثمن غاليًا، وقد ولى الزمن الذي تُوجه فيه الضربات من طرف واحد".

 

ولا يمكن فصل العملية عن السياق الإقليمي الأوسع، فالمعادلة الجديدة التي فرضتها طهران لم تؤثر على إسرائيل فقط، بل أرغمت العديد من الأطراف الإقليمية والدولية على إعادة النظر في حساباتها. فمع كل تصعيد جديد، يصبح واضحًا أن المنطقة باتت فوق برميل بارود، حيث التوترات قابلة للاشتعال في أي لحظة، لكن هذه المرة بمعادلات مختلفة، طرفها الإيراني أكثر ثقة وإصرارًا، وأدواته أكثر دقة وفعالية.

 

وفي خضم هذه التطورات، يرى مراقبون أن العالم قد يكون مقبلًا على سباق تسلح من نوع جديد في المنطقة، حيث الدفاعات الجوية، وحرب المسيّرات، والقدرات السيبرانية ستكون على رأس الأولويات، وفيما تستعد الأطراف لموجات جديدة من الصراع غير التقليدي، تبقى "الوعد الصادق الثانية" علامة فارقة في تاريخ الصراع، ونقطة تحوّل غير مسبوقة في ميزان القوى بين إيران والكيان الصهيوني.

 

لقد بات واضحًا اليوم أن طهران لم تعد ترد فقط، بل تختار توقيت الرد وشكله ومكانه، وهو ما يجعل الكيان الإسرائيلي في حالة استنفار دائم، يحسب فيها لأي خطأ ثمنًا قد يكون هذه المرة أكبر بكثير من مجرد ضربة عسكرية. إنها معادلة جديدة، حيث لا أمن بدون ثمن، ولا عدوان من دون عقاب، ومع كل ضربة جديدة من هذا النوع، يقترب العدو من نهاية قد لا تكون بعيدة.