تصل إلى 5 ملايين دولار.. ارتفاع تكلفة النائب في البرلمان العراقي بنسبة 50%

اليوم, 16:30
377

في عراق السلطات الثلاث (القضائية، والتنفيذية، والتشريعية) يصوّب العراقيون أنظارهم واستياءهم غالباً نحو السلطة التشريعية تحديداً، والمتمثّلة بالبرلمان العراقي

وبالطبع، هذا التوجيه له أسبابه؛ الأول أن البرلمان يعدّ معقل صنع السياسات في العراق، ليس لسلطته وصلاحياته التشريعية والرقابية، بل لكونه معقل الكتل السياسية التي تنجب الحكومة ووزراءها ومدراءها العامّين، وتتغلغل في جميع مفاصل الدولة وتتحكم بقراراتها، حتى تكاد السلطة التشريعية أحياناً أن تكون تنفيذيّة أكثر مما تشرّع.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

أما السبب الآخر، فهو أن السلطة التشريعية هي السلطة الوحيدة التي يمكن مراقبة أدائها وحرصها وجهدها الحقيقي وسير مهامها، ومعرفة ما إذا كانت تستحق ما تستهلكه من أموال.

الكلفة الشهرية للنائب

بحسب حسابات وزارة المالية، خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024، كلّف البرلمان العراقي خزينة الدولة نحو 495 مليار دينار (قرابة 344 مليون دولار بسعر الصرف الرسمي).

كانت جميع هذه التكاليف موازنة جارية شكّلت الرواتب الجزء الأكبر منها، فبلغت أكثر من 419 مليار دينار، لكن كلفة الرواتب هذه، وحتى كلفة الموازنة الجارية الإجمالية، لا يمكن احتسابها بأنها أنفقت على النواب وحدهم، بل هي نتاج إنفاق على ألفي موظف في البرلمان يضافون إلى النواب الـ329.

وعموماً، لا يمكن التوصل إلى إجمالي ما يتقاضاه النائب بالضبط، مع وجود كلف أخرى للحمايات وبدلات الضيافة وغيرها، لكن إجمالاً كان راتب النائب الواحد يبلغ أكثر من 12 مليون دينار، قبل أن ينخفض بالمتوسط إلى ثمانية ملايين دينار، بعد حزمة التخفيض التي أطلقها حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق عام 2018.

مع ذلك، لا قيمة ربما لمعرفة كم يبلغ راتب النائب الواحد، بل المطلوب هو كلفة النائب الواحد، فمؤسسة مجلس النواب ببنائها وموظفيها واستهلاكاتها السلعية كافة، أُسست لغرض ممارسة النائب مهامه، ما يعني أنه حتى رواتب الموظفين في المجلس تحتسب كلفةً تتكبدها الموازنة لغرض أن يؤدي النائب مهامه.

من هنا، يمكن اعتبار أن المصاريف الإجمالية لمجلس النواب خلال عشرة أشهر من عام 2024 والبالغة 495 مليار دينار، هي كلفة 329 نائباً، ما يعني أن النائب الواحد يكلف الدولة شهرياً أكثر من 150 مليون دينار (ما يعادل 1.8 مليار دينار سنوياً، أي 1.3 مليون دولار في السنة).

بهذه الحسابات، تتجاوز كلفة النائب الواحد، خلال الدورة البرلمانية البالغة أربع سنوات، خمسة ملايين دولار، وهو مبلغ يعادل تكاليف ثلاث مدارس من مدارس الاتفاقية الصينية البالغ متوسط كلفتها 1.8 مليون دولار.

أما المستلزمات السلعية للنواب، ومنها شاي الضيافة والأوراق والأقلام والأحبار وغيرها، فبلغت خلال عشرة أشهر 5.6 مليار دينار، أي أن مستلزمات النائب الواحد تكلف نحو 17 مليون دينار شهرياً أو 204 ملايين دينار سنوياً (أكثر من 154 ألف دولار سنوياً).

في عام 2023، بلغت الكلفة الإجمالية لمجلس النواب أكثر من 582 مليار دينار، ما يعني أن كلفة النائب الواحد كانت 1.7 مليار دينار في تلك السنة (1.2 مليون دولار)، أي أقلّ من العام 2024 الذي بلغت كلفة النائب فيه 1.8 مليار دينار (1.3 مليون دولار).

وفي 2022، بلغ إجمالي إنفاق مجلس النواب، نحو 544 مليار دينار، أي أن كلفة النائب الواحد كانت تبلغ 1.6 مليار دينار في تلك السنة.

وفي 2021، بلغت نفقات مجلس النواب 496 مليار دينار، ما يعني أن كلفة النائب بلغت 1.5 مليار دينار، وبنفس الطريقة، كانت تبلغ كلفة النائب في 2020 ما قيمته 1.3 مليار دينار منخفضة عن 2019 التي كانت تبلغ 1.4 مليار دينار، وفي 2018 بلغت 1.2 مليار دينار، وفي 2017 و2016 بلغت الرقم ذاته.

يتضح أن كلفة النائب بين عامي 2016 و2018 بقيت مستقرة نسبياً، لكنها قفزت خلال 2019 بقيمة 200 مليون دينار، ثم انخفضت في 2020 بقيمة 100 مليون دينار، واستمرت بالارتفاع بقيمة 100 مليون دينار سنوياً منذ ذلك الحين حتى الآن. ورغم ثبات عدد النواب، إلا أن ارتفاع عدد الموظفين في المجلس، فضلاً عن اختلاف حجم الإنفاق الاستثماري أو الخدمي وصيانة الموجودات، تسببّ بارتفاع الكلفة بشكل سنوي.

فعدد موظفي مجلس النواب في 2024 بلغ ألفي موظف، بينما كانوا 1887 في 2023، أي أن 113 موظفاً جديداً التحقوا بهم خلال عام واحد.

وعموماً، يمكن القول إنه منذ عام 2016 وحتى 2024، ارتفعت كلفة النائب السنوية من 1.2 مليار دينار إلى 1.8 مليار دينار، أي أن النائب أصبح “أغلى ثمناً” على المواطن العراقي، وبلغت نسبة التضخم في كلفته 50 بالمئة.

ولا تتوافر بيانات الإنفاق الفعلي ضمن حسابات وزارة المالية لما قبل عام 2016، ولكن تتوافر نسخ من موازنات الأعوام السابقة، إلا أنها تتضمن أرقاماً تقديرية، ومن غير المعلوم ما إذا تم إنفاقها كما هي أم لا.

وفي أقدم نسخة متوافرة من موازنات العراق، والتي تعود لعام 2006، كان إجمالي موظفي مجلس النواب يبلغ 315 موظفاً، بينهم 275 نائباً فقط، فيما بلغت الكلفة الإجمالية للمجلس نحو 92 مليار دينار، أي أن كلفة النائب الواحد كانت تبلغ 334 مليون دينار سنوياً.

في 2007 ارتفعت الكلفة إلى 894 مليون دينار سنوياً، وفي 2008 بلغت أكثر من 900 مليون، لكن في 2009 قفزت إلى أكثر من الضعف وبلغت 1.9 مليار دينار سنوياً لكل نائب، وذاك العام كان عام الاتفاق السياسي على رفع عدد النواب من 275 إلى 325، لكنه لم يطبّق حتى عام 2010.

ولا تتوافر جداول نفقات لعام 2010، أما في 2011 فقد استقرت النفقات عند أكثر من 530 مليار دينار كما كان في 2009، مع الإشارة إلى أن عدد النواب ارتفع إلى 325 نائباً.

ووفقاً لموازنة 2011، وبثبات حصة البرلمان من الموازنة وارتفاع عدد النواب، بلغت كلفة النائب 1.6 بدلاً من 1.9 مليار دينار في 2009، لكن عموماً تبقى هذه الأرقام -وخصوصاً لعام 2009- تقديرية وليست أرقام الإنفاق الفعلي.

في 2012 انخفضت الكلفة السنوية للنائب إلى 870 مليون دينار بانخفاض موازنة المجلس إلى 283 مليار دينار فقط، وفي 2015 عادت الكلفة لتقفز إلى أكثر من ملياري دينار لكل نائب سنوياً، ثم انخفضت في 2016 إلى 1.2 مليار دينار، وبعد ذلك أخذت منحى تصاعدياً بواقع 100 مليون دينار سنوياً لكل نائب حتى الآن.

ولم يفلح البحث -نتيجة لنقص البيانات- في التوصّل إلى تفسير واضح لسبب القفزة الكبيرة في حصة البرلمان من الموازنة وبالتالي كلفة النائب في 2009 و2015، والانخفاض في 2012 بهذه الأرقام الكبيرة.

قيمة الجلسة

خلال 34 شهراً، أي ابتداءً من انعقاد الدورة الخامسة النيابية الحالية في كانون الثاني 2022، وحتى نهاية تشرين الأول 2024، عقد البرلمان 132 جلسة.

في 2022 أنفق البرلمان 544 مليار دينار، وفي 2023 أنفق 582 مليار دينار، ومن بداية كانون الثاني إلى نهاية تشرين الأول من 2024 أنفق 495 مليار دينار، ما يعني أن إجمالي إنفاق الدورة البرلمانية الحالية خلال 34 شهراً بلغ أكثر من 1.6 تريليون دينار، وهذا يجعل قيمة الجلسة الواحدة 12.3 مليار دينار.

أما عدد القوانين المشرّعة خلال هذه المدة، فقد بلغ 58 قانوناً فقط، ما يجعل قيمة القانون الواحد نحو 28 مليار دينار.

وفي الدورة البرلمانية السابقة -من 2018 حتى نهاية 2021- والتي انتهت بانتخابات مبكرة أنقصت نحو ستة أشهر من عمرها، بلغ عدد الجلسات 138 جلسة.

وكانت كلفة البرلمان في 2018 قد بلغت 395 مليار دينار، وفي 2019 بلغت 460 مليار دينار، وفي 2020 بلغت 427 مليار دينار، وفي 2021 بلغت 496 مليار دينار، وهو ما مجموعه 1.8 تريليون دينار، لتكون قيمة الجلسة 12.8 مليار دينار، وهي أعلى قليلاً من قيمة الجلسة في الدورة البرلمانية الحالية، وسبب ذلك -على الأغلب- قلّة الجلسات المنعقدة خلال الدورة السابقة، التي تزامنت مع جائحة كورونا في عام 2020 وجزء من 2021 وما رافقها من حجر صحيّ وإغلاق.

وبلغ عدد القوانين المشرعة خلال الدورة البرلمانية السابقة 89 قانوناً، ما يعني أن قيمة القانون الواحد بلغت 20 مليار دينار، وهي أقل من قيمة القانون في الدورة البرلمانية الحالية، ويعود ذلك إلى كثرة القوانين المشرعة مقارنة بالدورة الحالية.

زيادة مستقبلية

تنص الفقرة الأولى من المادة 49 في الدستور على أن “مجلس النواب يتكون من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مئة ألف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله”.

ولم يُجرَ في العراق تعداد سكاني شامل منذ عام 1987 حتى تشرين الأول 2024، باستثناء تعداد واحد تمّ في عام 1997، ولكنه لم يشمل إقليم كردستان.

وبعد انتهاء تعداد 2024، أعلنت الحكومة أن عدد سكان العراق بلغ 45 مليوناً و407 آلاف و895 نسمة، من ضمنهم الجالية المقيمة واللاجئة.

ولم يُذكر في الإعلان الرسمي عدد مواطني ومواطنات العراق، ولكن على أي حال، واستناداً إلى النص الدستوري، يتعيّن ارتفاع عدد النواب إلى ما لا يقل عن 400 نائب.

وإذا بقيت كلفة النائب الواحد ثابتة على 150 مليون دينار شهرياً، فإن 400 نائب سيكلّفون خزينة الدولة 60 مليار دينار في الشهر، أي 720 مليار دينار سنوياً (حوالي 545 مليون دولار بسعر الصرف الرسمي على اعتبار أن الإنفاق من إيرادات الحكومة)، وهو مبلغ يعادل كلفة أكثر من 300 مدرسة من مدارس الاتفاقية الصينية. وإذا احتسبت كلفة الدورة البرلمانية كاملة أي 4 سنوات، ستكون الكلفة حوالي 2.2 مليار دولار؛ أي تكلفة الدورة البرلمانية الواحدة تكفي لبناء أكثر من ألف و200 مدرسة من مدارس الاتفاقية الصينية.

كما تعادل كلفة الدورة البرلمانية الواحدة تقريباً كلفة المرحلة الأولى لإنشاء ميناء الفاو التي بلغت 2.6 مليار دولار.

وتكفي الكلفة نفسها لإنشاء محطتي كهرباء بالدورة المركبة، إنتاجية كل منهما 1600 ميغا واط فيكون مجموع إنتاجية المحطتين 3200 ميغا واط، وهي كمية تعادل حوالي 3 أضعاف الكهرباء التي يستوردها العراق من إيران عبر خط ميرساد إلى ديالى البالغة 1200 ميغا واط.

كما تبلغ الكلفة أقل بنصف مليار دولار فقط من كلفة عقد العراق مع كوريا الجنوبية لشراء منظومات الدفاع الجوي بقيمة 2.7 مليار دولار.