"مطامع" ترامب في نفط كردستان.. شركات أميركية تفرض نفسها و"إسرائيل" الخاسر الأكبر!

اليوم, 12:28
475

بعد يوم واحد من مطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرورة استئناف العراق تصدير نفط إقليم كردستان لسد النقص العالمي وتخفيض أسعاره، أعلن العراق عن اكتمال إجراءات استئناف تصدير نفط الإقليم. وأدت مطامع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نفط كردستان، ورغبته في عودة شركات النفط الأميركية لأربيل، إلى تسريع اتفاق حكومة الإقليم والدولة المركزية العراقية، وقرب استئناف ضخ نحو 450 ألف برميل نفط يومياً للعالم مجدداً عبر خط جيهان التركي، بعدما توقف منذ عام 2023.

 

واتفقت وزارة النفط الاتحادية ووزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان، يوم 23 فبراير/شباط 2025، على استئناف تصدير نفط كردستان في وقت قريب، والتزام الإقليم بتنفيذ أحكام قانون الموازنة العامة الاتحادية، وتشكيل فريق فني مشترك لمُعاينة أنبوب التصدير وبيان جاهزيته لاستئناف عمليات الضخ.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

 

وكان ترامب يطالب علناً قبل انتخابه بنهب نفط العراق والمناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش، وكان يقول: "يجب أن نأخذ هذا النفط"، بحجّة حرمان داعش من التمويل وتعويض الولايات المتحدة عن نفقاتها العسكرية في العراق. وعقب انتخابه، وسّع أهدافه بشأن نفط كردستان الغزير، زاعماً أن الهدف هو عزل إيران ومنعها من الاستفادة من نفطها أو نفط العراق، بيد أن خبراء عراقيون أكدوا أن هدف ترامب اقتصادي بحت، يتعلق برغبته في إعادة سيطرة شركات النفط الأميركية على نفط كردستان.

 

ويقول الخبير الاقتصادي العراقي نبيل جبار التميمي إن الضغوط التي مارسها ترامب على العراق بشأن تصدير نفط كردستان "تعكس مدى تأثير اللوبي المرتبط بأطراف عراقية وقربه من دائرة صنع القرار في البيت الأبيض"، وقال التميمي إن هدف ترامب من الضغط على حكومة بغداد إعادة الشركات النفطية الأميركية إلى العمل في إقليم كردستان، خاصة بعد أن دفعت تلك الشركات الإدارة الأميركية للضغط على بغداد لتضمين مستحقاتها المتأخرة في موازنة العراق الاتحادية لسنة 2025.

 

وفنّد التميمي مزاعم ترامب بأن الهدف من ضغوطه لاستئناف ضخ نفط كردستان هو زيادة كمية المعروض النفطي أو تعويض الفاقد منه نتيجة التضييق على النفط الإيراني، مؤكداً أن إنتاج النفط العراقي (وضمنه الكردستاني) مُحدد من منظمة أوبك، وأشار إلى أنه حتى في حال عودة إنتاج النفط من إقليم كردستان، قد لا يستفيد العراق مباشرةً، إذ إن حصة العراق في منظمة أوبك ثابتة، ما قد يضطره إلى تخفيض إنتاجه في الحقول الجنوبية لتحقيق التوازن في عمليات التصدير الكلية.

                                                                

وزعم الأميركيون أن استئناف الصادرات سريعاً من إقليم كردستان العراق قد يساعد في تعويض الانخفاض المحتمل في صادرات النفط الإيرانية، التي تعهدت واشنطن بخفضها إلى الصفر في إطار سياسة "أقصى الضغوط" التي تنتهجها مع طهران.

 

وكانت الحكومة الأميركية قالت إنّها تريد عزل إيران عن الاقتصاد العالمي، والقضاء على إيراداتها من صادرات النفط لإبطاء خطتها لتطوير سلاح نووي.

 

وأكدت إحصاءات رسمية عراقية أن توقف صادرات نفط إقليم كردستان منذ نحو 24 شهراً ألحق أضراراً مادية بموازنة العراق تقدر بما بين 30 إلى 35 مليون دولار يومياً، أي نحو مليار دولار شهرياً.

 

وأنهى اتفاق مبدئي أُبرم بين حكومتي بغداد وكردستان خلافاً دام قرابة عقد بشأن النفط، وفتح الباب لإعادة استئناف تصدير الذهب الأسود من الشمال عبر تركيا، بعد توقف صادرات نفط إقليم كردستان العراق إلى العالم في 24 مارس/آذار 2023، بموجب قرار هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، بعد شكوى رفعها العراق في وقت سابق ضد تركيا.

 

وكان إقليم كردستان العراق يصدّر معظم النفط الخام الذي ينتجه عبر خط الأنابيب الرسمي بين العراق وتركيا، الذي يمتد من كركوك العراقية الغنية بالنفط إلى ميناء جيهان التركي، لكن في عام 2014، رفعت بغداد قضية تحكيم في باريس قالت فيها إنّ أنقرة انتهكت اتفاقاً مشتركاً عبر السماح لحكومة إقليم كردستان بتصدير النفط عبر خط أنابيب إلى ميناء جيهان التركي بشكل غير قانوني.

 

واحتكمت بغداد لنص في "اتفاقية خط أنابيب العراق-تركيا"، الموقعة عام 1973 والمحدّثة عام 2010، المخصص لتصدير أكثر من مليون برميل من النفط الخام يومياً إلى أوروبا عبر ميناء جيهان التركي، إذ يشير النص إلى أن "الحكومة التركية يجب أن تمتثل لتعليمات الجانب العراقي فيما يتعلق بحركة النفط الخام الآتي من العراق في كل مراكز التخزين والتصريف والمحطة النهائية".

 

وبعد تسع سنوات، كسب العراق قضية التحكيم ضد تركيا في 25 مارس 2023، وصدر قرار يمنع كردستان من تصدير أي نفط تستخرجه الشركات داخل الإقليم عبر تركيا، وأن يجرى التصدير فقط من خلال شركة "سومو" التابعة لحكومة بغداد.

 

عقبات أمام التصدير

 

برغم الاتفاق بين كردستان وبغداد لاستئناف تصدير النفط، يؤكد خبراء عراقيون أن هناك عقبتين رئيسيتين: الأولى تتعلق برفض تركيا استئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان قبل حل مشكلة تغريم لجنة التحكيم بين تركيا والعراق، إذ تطالب أنقرة بغداد بدفع تعويضات تُقدر بـ1.5 مليار دولار، والأخرى خاصة باشتراط جمعية صناعة النفط في كردستان (أبيكور) توقيع "اتفاقات مكتوبة وضمانات مالية تضمن حقوق الشركات الأجنبية العاملة في كردستان".

 

وأعلنت "أبيكور"، التي تمثل الشركات الأجنبية العاملة في قطاع النفط بكردستان، عن شروطها لاستئناف صادرات النفط عبر خط الأنابيب العراقي-التركي، وهي التوصل إلى اتفاقات بين بغداد وأربيل تحافظ على الشروط التعاقدية والتجارية والاقتصادية للشركات، وحماية حقوق الشركات من التدخلات السياسية في عمليات الدفع.

 

لكن الخبير النفطي العراقي حمزة الجواهري يؤكد أن جمعية الصناعة النفطية في كردستان (أبيكور) لا تمتلك الحق في طلب اتفاق مكتوب مع بغداد لاستئناف صادرات النفط، لأنها "لا تملك أي عقد رسمي مع الحكومة الاتحادية أساساً"، وأوضح الجواهري في حديث لـ"العربي الجديد" أن "النفط المستخرج من حقول الشمال في كردستان يخضع لإشراف شركة نفط الشمال الحكومية، بينما يملك الإقليم حقلين صغيرين فقط، في حين أن حقل خورمالا في كركوك هو الأكبر من حيث الإنتاج".

 

وأشار الجواهري إلى أن "الولايات المتحدة تدرك أن توقف صادرات النفط من كردستان لا يؤثر على الإنتاج العالمي، لكن ترامب يستخدم ذلك ورقةَ ضغط سياسي على إيران".

 

إسرائيل الخاسر الأكبر

 

وتشير تقديرات أميركية إلى أن اتفاق النفط بين بغداد وأربيل يتوقع أن يضرّ بإيران، التي كان يهرّب إليها نحو 200 ألف برميل يومياً من النفط الكردي الخام منخفض السعر، بحسب مراقبين، كما سيضرّ إسرائيل، التي كانت حكومة إقليم كردستان العراق تُصدّر النفط لها عبر ميناء جيهان التركي بدون موافقة الحكومة المركزية في بغداد.

 

وأصبحت إسرائيل، بموجب هذا الاتفاق الخاسر الأكبر، بعد أن أصبح قرار التصدير بيد بغداد، لا أربيل، إذ كانت تستورد نحو 38% من نفط كردستان في عام 2022، وفق بيانات موقع "Draw Media". 

 

ويُعتبر هذا التحول في ملف النفط العراقي خطوةً حاسمة في تعزيز سيطرة بغداد على مواردها، وإنهاءً لفترة طويلة من النزاعات حول تصدير النفط الكردي.