حريق الكوت يُشعل بركان الغضب.. تقصير حكومي يُزهق الأرواح ومطالبات بمحاسبة لا ترحم
موازنة العراق في مهبّ العجز.. اقتصاد ريعي على حافة الانهيار وغياب الإصلاح يفاقم الأزمة
بين نداء المرجعية ولهيب الاقتتال في الشام.. قصة وطن اختار الحياة على الموت المجاني
معلومات استخبارية وتحركات داخلية مشبوهة تمهد لمخطط صهيوني-غربي لإعادة رسم المشهد في العراق
مخطط غربي _ إسرائيلي لإسقاط النظام في العراق.. ضربات وشيكة وفوضى عارمة
في واحدة من أبشع الكوارث التي شهدها العراق مؤخراً، كشف حريق هايبر ماركت الكورنيش في الكوت عن هشاشة منظومة السلامة العامة وفشل الجهات المعنية في الاستجابة السريعة، ما أدى إلى سقوط ضحايا أبرياء. وبينما تصاعدت المطالبات الشعبية والنيابية بمحاسبة صارمة للمقصرين، سارعت الحكومة إلى فتح تحقيق عاجل، وسط وعود بتحقيق "عدالة لا تعرف المجاملة".
وفي هذه الأثناء أكدت لجنة الأمن والدفاع النيابية أن حادثة حريق "هايبر ماركت الكورنيش" في مدينة الكوت تمثل فاجعة كبيرة وجرس إنذار يستوجب إعادة النظر في البُنى الإدارية والأمنية والخدمية في المدن العراقية.
تحميل الحكومة مسؤولية التقصير
النائب مهدي تقي الآمرلي أشار إلى أن مجلس النواب يتعامل مع هذه الكارثة بأعلى درجات الجدية، مشدداً على أن دماء الضحايا لن تمر دون محاسبة واضحة وصريحة للمسؤولين عن الإهمال والتقصير.
وبين الآمرلي أن اللجنة النيابية بدأت اتصالات مكثفة مع الجهات الأمنية والرقابية في محافظة واسط منذ لحظة وقوع الحادث، وتم فتح تحقيق عاجل بشأن ملابسات الفاجعة، سواء في ما يتعلق بضعف إجراءات السلامة أو بطء استجابة فرق الإنقاذ. وأكد أن نتائج التحقيقات ستُعرض تحت قبة البرلمان لتحديد المقصرين ومحاسبتهم قانونياً، دون تهاون أو مجاملة.
كما أشار إلى أن الحادث كشف عن خلل خطير في منظومات الطوارئ، مؤكداً أن اللجنة ستوصي بتحديث آليات الدفاع المدني وتعزيز التنسيق بين الأجهزة الأمنية والفنية، إلى جانب اعتماد نظام رقابي إلكتروني في الأسواق والمؤسسات العامة لتفعيل الإنذار المبكر وتقليل حجم الخسائر في حال وقوع كوارث مشابهة.
نتائج أولية: إهمال واسع ومحاسبة مؤجلة
اللجنة التحقيقية العليا التي أمر بتشكيلها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أعلنت عن نتائج أولية أكدت وجود تقصير واضح من عدة دوائر ومسؤولين في محافظة واسط. وقد تم سحب يد 17 موظفاً – معظمهم من مدراء بلدية الكوت – وإيداع التوقيف بحق ثلاثة ضباط أمن ودفاع مدني، بانتظار استكمال التحقيقات الإدارية والقضائية.
رئيس دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية، العميد مقداد ميري، أوضح أن اللجنة جمعت الأدلة والمعلومات وأفادت شهود عيان، وأثبتت التحقيقات الأولية أن الإهمال وسوء الإدارة كانا من أبرز أسباب تفاقم حجم الخسائر. وأكد أن النتائج النهائية ستُعلن بشفافية أمام الرأي العام، التزاماً بمبدأ العدالة ومحاسبة كل من تسبب بالإهمال.
تحرك ميداني وغلق مشاريع مخالفة بعد الفاجعة
في أعقاب الحادث، كثفت وزارة الداخلية ومديريات الدفاع المدني حملاتها التفتيشية، ما أسفر عن غلق 610 مشروعاً ومنشأة مخالفة لشروط السلامة في يوم واحد فقط، أبرزها في محافظات النجف، كربلاء، بابل، والأنبار. هذا التحرك المفاجئ جاء في إطار إجراءات وقائية عاجلة، لكنها في الوقت ذاته تثير تساؤلات عن مدى الإهمال السابق في تطبيق معايير السلامة، ولماذا لم تُتخذ هذه الخطوات قبل وقوع الفاجعة.
محافظة بغداد بدورها شكّلت لجاناً ميدانية بالتنسيق مع الدفاع المدني لفحص إجراءات السلامة في المرافق التجارية والسكنية. وأكد المحافظ عبد المطلب العلوي خلال مؤتمر صحفي، أن هناك تقصيراً واسعاً في الالتزام بمتطلبات الأمان من قبل الكثير من الشركات، داعياً الوحدات الإدارية إلى رفع جاهزيتها والاستعداد لحالات الطوارئ.
فلم تكن كارثة حريق الكوت مجرد حادث عرضي، بل كشفت بوضوح حجم الإهمال الحكومي في الرقابة وتنفيذ قوانين السلامة. ورغم التحركات السريعة بعد الفاجعة، فإنها لا تعفي الجهات المعنية من المسؤولية، ولا تعيد الأرواح التي أزهقت. التحدي الآن يتمثل في تنفيذ الوعود بالمحاسبة، وتحويل هذه الكارثة إلى نقطة انطلاق حقيقية نحو إصلاح منظومة السلامة العامة في العراق.