وزير الدفاع في "غيبوبة انتخابية".. أحلام الشباب تحطّم في الكلية العسكرية بسبب غياب الرقابة

اليوم, 11:03
1 183

في لحظة قاسية تحوّل فيها الأمل إلى ألم، فقد العراق يوم أمس اثنين من أبنائه الذين كانوا يطمحون إلى خدمة وطنهم، بعدما سلبتهم التدريبات العسكرية القاسية حياتهم، حيث شهدت الكلية العسكرية في ذي قار حادثًا مأساويًا لم يكن له مبرر سوى الإهمال المتعمد والتراخي في متابعة الظروف التي يعيشها الشباب الذين يتدربون ليصبحوا ضباطًا في جيشهم.

 

لم يكن يومًا تدريبًا عاديًا، بل كان اختبارًا قاسيًا لحدود الجسد البشري في ظروف لم تُحترم فيها أدنى معايير السلامة، الطالبان، اللذان كانا يأملان في أن تكون الكلية العسكرية جسرًا نحو خدمة وطنهم، أُهملوا في لحظاتٍ كان يُفترض أن تكون حياتهم فيها أولى الأولويات، وبينما كانت قلوبهم تخفق بالاندفاع نحو حلمهم، كانت أيدٍ خفية تُهمل تلك الأرواح الطموحة في صمتٍ رهيب.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

 

رواية أولية

 

وفقًا للمصادر العسكرية المقربة من الحادث، كان الطلاب المشاركون في التدريب يخضعون لبرنامج تدريبي مكثف يتضمن أنشطة بدنية شاقة تشمل الجري لمسافات طويلة وحمل أوزان ثقيلة تحت ظروف مناخية قاسية، وكان من المفترض أن تتخلل هذه التدريبات فترات راحة منتظمة، لكن لم تُخصص أوقات كافية للاستراحة، كما أن الرعاية الطبية كانت غائبة تمامًا أثناء فترة التدريب.

 

الطلاب الذين تعرضوا للحادث، بحسب التقارير الأولية، لم يتحملوا شدة الجهد البدني وانهاروا إثر إجهاد شديد، ورغم الجهود المبذولة من قبل زملائهم لتقديم الإسعافات الأولية، إلا أن حالتهما الصحية كانت قد تدهورت بشكل سريع ونقلوا بعد ذلك إلى المستشفى.

 

إهمال متعمد

 

الحادث الذي وقع خلال تدريبات ميدانية، سرعان ما تحول إلى قضية رأي عام، حيث انطلقت موجة من الانتقادات اللاذعة تجاه وزير الدفاع، الذي اتهمه البعض بالانشغال بحملته الانتخابية على حساب المسؤوليات الأساسية التي تتطلبها إدارة الشؤون العسكرية وحماية حياة الجنود والطلاب في المؤسسة العسكرية، من جهة أخرى، أثيرت تساؤلات حادة حول مدى تقاعس المسؤولين العسكريين، وغياب الرقابة التي كانت قد تكون قادرة على منع وقوع مثل هذا الحادث.

 

وزير الدفاع الذي شُغل بحملاته الانتخابية في الآونة الأخيرة، فشل في تنفيذ سياسات تدريبية صحيحة وآمنة للطلاب العسكريين. بدلاً من أن يتحمل مسؤولياته الكبيرة في حماية حياة الجنود وضمان سلامتهم، تفرغ لاهتماماته الشخصية، تاركًا أولئك الذين يُفترض أن يحميهم في مواجهة خطر قاتل، هذا الإهمال الجسيم، الذي يتعدى التراخي ليصل إلى حد الفساد، أدى إلى وفاة هؤلاء الشباب الذين كانوا يطمحون لخدمة وطنهم.

 

حزن وألم عميق

 

عائلات الطلاب الذين فقدوا حياتهم في هذا الحادث المفجع لم يتمكنوا من تقبل الواقع. في أحاديثهم المأساوية، تحدثت الأمهات والآباء عن حلم أبنائهم الذي تحطم فجأة، والحب الذي كان ينتظرهم في المستقبل.

 

والدة أحد الضحايا، التي كانت قد توقعت أن يكون هذا اليوم هو يوم فخر لها ولعائلتها، قالت بصوت مليء بالحزن: "كنت أتخيل أنني سأرى ابني يرتدي الزي العسكري بفخر، ولكن لم أتخيل أنني سأجده في تابوت بسبب قسوة الإهمال."

 

والد الطالب الآخر، الذي كان في طريقه للقاء ابنه في عطلة نهاية الأسبوع، قال بنبرة حزينة: "ابني كان شابًا مليئًا بالحياة، كان يحلم بأن يصبح ضابطًا في جيش العراق، لكن هذا الحلم تبخر لأنه لم يحصل على الحق في الحياة، كما أن مسؤولين في وزارة الدفاع غرقوا في مصالحهم الشخصية وأهملوا مسؤولياتهم."


كما ذكر أحد أقارب الضحايا أن العائلة بصدد تقديم شكوى رسمية ضد وزارة الدفاع، مطالبين بتحقيق شامل في القضية ومحاسبة المقصرين. واعتبر أن دماء الشهداء يجب أن لا تذهب هدرًا، وأن تكون هذه الحادثة نقطة تحول لتغيير جذري في كيفية التعامل مع الأمن والسلامة داخل الكليات العسكرية.

 

ردود فعل غاضبة

 

هذه الحادثة أثارت موجة من الغضب الشعبي الواسع بين جميع مكونات العب العراقي، لا سيما بين أهالي الطلاب، حيث اعتبرها الكثيرون دليلاً على الإهمال الفاضح من قبل وزارة الدفاع التي يجب أن تتحمل المسؤولية الكاملة عن حياة الجنود المتدربين، ومن بين هذه الأصوات، كان لافتًا موقف بعض السياسيين المعارضين الذين دعوا إلى محاسبة وزير الدفاع، الذي يُتهم بالانشغال بمصالحه الشخصية في إطار السباق الانتخابي، متجاهلًا الواجبات التي تفرضها مسؤوليته.

 

ووجه رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، محمد شياع السوداني، بإعفاء كل من رئيس الأكاديمية العسكرية، ومعاونه، وعميد الكلية العسكرية الرابعة، وآمر الفوج المختص، وسحب أيديهم من العمل، بعد وفاة الطالبين من الكلية العسكرية في ذي قار، إثر تعرضهم لأشعة شمس مفرطة، كما وجه بمنح رتبة (ملازم)، للطالبين المتوفيين.

 

دعوات للمحاسبة والتحقيق

 

في الوقت الذي تتصاعد فيه دعوات محاسبة المسؤولين عن هذه الحادثة، أصبح من الواضح أن هذه القضية قد تفتح أبوابًا جديدة للمراجعة الشاملة في كيفية تنظيم التدريبات في الكليات العسكرية، فقد دعا العديد من العسكريين والمراقبين إلى ضرورة فرض رقابة مشددة على جميع الأنشطة التدريبية وضمان توفير كافة متطلبات السلامة الصحية للطلاب، مع إعادة النظر في فترات الراحة وأساليب التقييم البدني المتبعة.

 

وما بين حادث مأساوي يُظهر غياب الرقابة، وانشغال متزايد للقيادات العسكرية بالاستحقاقات السياسية، يتجلى الواقع المؤلم في ضرورة تجديد رؤية وزارة الدفاع في تعاطيها مع ملفات الجيش والتعليم العسكري، لتظل مأساة وفاة الطالبين في الكلية العسكرية درسًا قاسيًا لكل مسؤول يقصر في واجبه، وأن تُترجم هذه الفاجعة إلى خطوات ملموسة نحو إصلاح حقيقي، يحفظ الأرواح ويصون كرامة أبنائنا الذين يسعون لخدمة وطنهم.