العقار بوابة الفساد.. غسيل الأموال العراقي يزدهر خارج الحدود

أمس, 17:07
1 244

في وقت يعيش فيه العراق أزمة اقتصادية خانقة ويكافح للحدّ من الفساد الذي استنزف مقدراته منذ عام 2003، تتكشف حقائق مقلقة عن تصدّر العراقيين لقوائم شراء العقارات في عدد من الدول الإقليمية، ما بات يطرح أسئلة جادة عن مصادر هذه الأموال ودوافع هذا التوسع العقاري الخارجي.


ويؤكد المختص في قضايا محاربة الفساد سعيد ياسين موسى، أن "شراء العقارات في الخارج بات وسيلة شائعة لغسيل الأموال، يستخدمها الفاسدون لتحويل المال العام المنهوب إلى أصول آمنة خارج البلاد"، محذراً من "خطورة تفشي هذه الظاهرة على الأمن الاقتصادي للعراق" .

قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل



وفقاً لموسى، تعتمد شبكات الفساد المالي على ثغرات قانونية وضعف التعاون الدولي لتحويل أموال مشبوهة إلى استثمارات عقارية، غالباً ما تُسجّل باسم شركات واجهة أو وسطاء لتضليل السلطات. هذه العمليات لا تنحصر في تهريب الأموال، بل تسهم بشكل مباشر في تجفيف السيولة داخل السوق العراقية، ما يؤدي إلى تراجع الاستثمار المحلي وعرقلة النمو الاقتصادي.


من جانبه، يرى الخبير المالي د. علي عبدالستار، أن العقارات تحوّلت إلى ملاذ مفضل لغاسلي الأموال بسبب سهولة إخفاء الملكية الحقيقية، وغياب نظم الإفصاح المالي في عدد من الدول.


ويضيف قائلاً: "غالباً ما تُشترى هذه العقارات بأسماء أقارب أو من خلال شركات مجهولة المصدر، ويجري التلاعب بالفواتير لتضخيم قيمتها، ما يتيح غسل مبالغ ضخمة عبر عملية تبدو قانونية على السطح".


ويتابع عبدالستار أن بعض الدول، خصوصاً تلك التي تسعى لجذب الاستثمارات الأجنبية، تغض الطرف أحياناً عن التحقق من مصادر الأموال، وهو ما يشجع الفاسدين على ضخ أموالهم هناك دون خوف من المساءلة أو التتبع.


 تمكين الفساد


يرى موسى أن عدم التصدي الحازم لهذه الظاهرة يشكّل بيئة خصبة لاستمرار شبكات الفساد وتوسّعها، مشدداً على ضرورة "تفعيل أدوات التتبع المالي، وإبرام اتفاقيات تعاون مع الدول المضيفة للعقارات المستهدفة، وفرض شفافية مشددة على الأموال الخارجة من العراق".


وبحسب تقارير من مؤسسات بحثية معنية بمراقبة حركة الأموال في الشرق الأوسط، فإن الجنسية العراقية تتصدّر قوائم شراء العقارات في دول مثل تركيا، الأردن، الإمارات، وحتى بعض دول البلقان، وهو أمر لا يمكن فصله عن التضييق المفروض على التحويلات البنكية في العراق في السنوات الأخيرة، ما دفع الفاسدين لاستخدام العقارات كوسيلة بديلة لتبييض الأموال.


العقار وسيلة لاختفاء المال المنهوب


تشير بيانات تم التحقق منها إلى أن بعض من هذه العقارات تُسجّل باسم شركات أو أفراد لا يمتلكون سجلاً اقتصادياً واضحاً، ما يعزز فرضية استخدامهم كـ"واجهة" لمالكي الأموال الحقيقية، وغالباً ما تكون هذه الشركات مسجلة في دول تُعرف بتراخيها في قوانين مكافحة غسيل الأموال، ما يوفّر بيئة مثالية لإخفاء الأموال المسروقة.


وتكشف هذه المعطيات عن نمط متصاعد من استغلال الاستثمار العقاري في الخارج كأداة لغسيل الأموال، وسط ثغرات قانونية محلية ودولية وضعف في أنظمة الرقابة والتتبع، لتبقى تساؤلات عديدة مطروحة حول حجم الأموال المهربة، وآليات الكشف عنها، وحدود التنسيق بين الجهات الرقابية العراقية ونظيراتها في الدول الأخرى.


في المقابل، تستمر عمليات الشراء في دول عدة بوتيرة لافتة، ما يسلّط الضوء على الحاجة إلى مراجعة دقيقة لهذا الملف المتشابك والمعقّد، الذي يربط بين المال، والعقار، وشرعية الملكية.