"حريق الكوت" يحاصر المحافظ.. محاولات لإقالة الحليف السابق للصدريين

اليوم, 17:42
1 511

لم يكن حريق الكوت مجرّد حادث عرضي وقع في مبنى تجاري وسط المدينة، بل تحوّل إلى شرارة فجّرت أكبر أزمة سياسية تشهدها محافظة واسط منذ سنوات، بعد أن التهمت النيران أجساد عشرات الأبرياء، وكشفت في الوقت ذاته عن شبكة متشابكة من الإهمال والفساد والتواطؤ السياسي، على حد تعبير محتجين.


واستفاقت الكوت يوم الخميس الماضي، على مأساة إنسانية مريرة، حريق ضخم يلتهم مركزاً تجارياً مكوّناً من ستة طوابق، يقتل أكثر من 77 شخصاً ويصيب عشرات، أغلبهم من النساء والأطفال. لم تكن الحصيلة فقط في الأرواح، بل في تداعيات زلزلت الشارع المحلي، ووضعت المحافظ محمد جميل المياحي في مرمى الاتهام الشعبي والسياسي.

قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل



حراك للإقالة.. تحشيد داخل البرلمان


سرعان ما تحوّل الغضب الشعبي إلى حراك سياسي داخل قبة البرلمان، النائب علي غركان الدلفي أعلن رسمياً عن جمع تواقيع لسحب يد المحافظ، وسط تحركات نشطة لعقد جلسة استجواب قد تنتهي بإقالته.


وقال الدلفي إن "ما حصل في الكوت لم يكن قدراً، بل نتيجة طبيعية لسنوات من التغاضي عن الفساد الإداري وسوء تطبيق معايير السلامة"، مضيفاً أن "المسؤولية لا تقع فقط على المستثمر أو الدفاع المدني، بل على رأس السلطة التنفيذية في المحافظة".


فيديو "الشرفة".. صورة سياسية قاتلة


وفيما كانت النيران تلتهم الأرواح، تداول ناشطون مقطعاً مصوراً يظهر المحافظ محمد المياحي وهو يقف على شرفة بعيدة، يتابع المشهد كما لو كان "مراقباً محايداً" لا مسؤولاً مباشراً، وفق تعبير مجلس المحافظة في بيانه.


المقطع فجّر حملة انتقادات واسعة، ودفعت مجلس المحافظة إلى إصدار بيان لاذع وصف فيه سلوك المحافظ بـ"المنفصل عن الواقع"، مضيفاً: "نشاهده للأسف يجلس على مصطبة وكأنه مدرّب لا مسؤول حكومي في قلب الكارثة".


في المقابل، نفى المياحي هذه الاتهامات، وقال إنه تواجد في موقع الحادث "من منتصف الليل حتى السابعة صباحاً"، متهماً خصومه السياسيين بـ"تسييس المأساة"، مؤكداً أن الصور "مفبركة"، وأنه "تحت تصرف عوائل الشهداء فقط".


المياحي والانتخابات.. ما بعد الكارثة


الأزمة تأتي في توقيت حساس، حيث يستعد المياحي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة ضمن تحالف "واسط الأجمل"، الذي كان جزءاً من التيار الصدري سابقاً. وبينما انسحب التيار من الحياة السياسية، بقي المياحي في المشهد، الأمر الذي فتح باب الشكوك حول استمرار دعم بعض القواعد الصدرية له، وهو ما تنفيه أوساط التيار.


وفي أول تعليق له بعد الحادث، قال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر: "الحريق نتيجة الإهمال المتكرر والفساد بكل أنواعه"، وهو تصريح يُفهم منه ضمنياً رفع الغطاء عن المياحي، أو على الأقل تركه يواجه مصيره منفرداً.


كوارث متكررة.. ونتائج مفقودة


حريق الكوت أعاد للأذهان كوارث مشابهة هزّت البلاد في السنوات الأخيرة، من مستشفى ابن الخطيب في بغداد (نيسان 2021)، إلى مستشفى الحسين في الناصرية (تموز 2021)، ثم قاعة الأعراس في الحمدانية (أيلول 2023)، ثلاث كوارث راح ضحيتها أكثر من 280 شخصاً، انتهت جميعها بتحقيقات لم تُعلن نتائجها بشكل نهائي، مما زاد من مشاعر الشك والخذلان لدى المواطن.


ما يجري اليوم في الكوت ليس فقط اختباراً لمسؤول محلي، بل امتحان حقيقي لقدرة الدولة العراقية على التحوّل من أقوال إلى أفعال. فإما أن تكون هذه المأساة لحظة مفصلية لمحاسبة فعلية، أو مجرّد رقم يُضاف إلى سجل طويل من الكوارث المنسية.