بين الحين والآخر تتجدد التصريحات الرسمية حول مشروع أنبوب نفط البصرة - العقبة، والذي يربط مدينة البصرة في العراق مع مدينة العقبة الأردنية، والتي تحوي الميناء الأردني البحري الوحيد.
ويهدف المشروع إلى نقل النفط الخام المستخرج من حقول محافظة البصرة إلى ميناء العقبة بكلفة اجمالية أولية قدرت بـ 18 مليار دولار، لتعود وزارة النفط العراقية وتؤكد أن الكلفة التقديرية للخط حددت بـ 8.5 مليار دولا وبطاقة تصديرية تصل إلى 3 ملايين برميل نفط يوميا.
ويكثف العراق عمليات البحث في دفاتره النفطية القديمة عله يستدعي مشاريع مجمدة سبق طرحها لتصدير كنزه الأسود، على غرار الخطوط البديلة الممتدة إلى مينائي المعجز في السعودية وجيهان في تركيا، ووجدت بغداد هذه المرة ضالتها في خط أنبوب النفط العراقي "البصرة – العقبة" الواصل إلى البحر المتوسط ومنه إلى أسواق أوروبا.
وعلى رغم طرح المشروع قديماً إلا أنه واجه عراقيل وانتقادات تحول دون تنفيذه، سواء من قبل نواب البرلمان العراقي أو المتخصصين، بيد أن وزارة النفط أعلنت هذه المرة تفاصيل إنشاء الأنبوب المرتقب من دون الحديث عن خط وصوله، وإنما الاكتفاء بالقول إنه سيصل إلى حديثة في محافظة الأنبار ليجري نقل النفط الخام داخل العراق وخارجه.
وفي منتصف يونيو (حزيران) الماضي قالت وزارة النفط العراقية إن المشروع المستهدف "تنموي سينعش الاقتصاد العراقي ويعطي مرونة كبيرة لنقل وتصدير النفط الخام داخل البلاد وخارجها، إضافة إلى توفيره آلاف الفرص للعاملين في جميع المناطق".
وأضافت أنه "مكمل لمشروع طريق التنمية في ظل مساعي لمد أنبوب غاز مواز مستقبلاً، ليكون العراق منطقة عبور دولية لتصدير الغاز إضافة إلى النفط الخام".
واعتبرت وزارة النفط العراقية أن الأنبوب سيعمل على فتح منافذ تصديرية جديدة لنقل النفط الخام المحلي إلى دول أوروبا وأميركا الشمالية تماشياً مع مشروع طريق التنمية.
الكلف الاقتصادية
بدورها حذرت لجنة الاقتصاد في البرلمان العراقي من مد الأنبوب، مشيرة إلى الكلف العالية للمشروع وعدم فائدته اقتصادياً، وقال نائب رئيس لجنة الاقتصاد والتجارة النيابية ياسر هاشم الحسيني إن "مد الأنبوب من الناحية الاقتصادية يضر العراق ويفيد الأردن"، مبيناً أن الحكومة ووزارة النفط وكذلك المجلس الوزاري للاقتصاد لا يزالون ملتزمين الصمت إزاء اعتراضات البرلمان أو الحراك الشعبي".
وأضاف أن "الرواية التي تتبناها حكومة السوداني إزاء سعيها إلى تعديد مصادر النفط من خلال مد أنبوب البصرة – العقبة تعد زيفاً وظلماً وبهتاناً بحق الشعب العراقي"، على حد قوله، مشيراً إلى أنه "لا جدوى من مد أنبوب سيثقل كاهل البلد بنحو 17 مليار دولار كمرحلة أولى، عدا عن قيمة إنشاء مصفى نفطي في الأردن ومصنع بتروكيماويات في مصر".
ويبدو أن الخلاف بين الحكومة العراقية وأعضاء في البرلمان حول الأنبوب امتد إلى المتخصصين في المجال الاقتصادي والنفطي حول جدوى المشروع.
قدرة تصديرية عالية
يرى المتخصص في المجال النفطي حمزة الجواهري أن أنبوب "البصرة - العقبة" عديم الجدوى الاقتصادية، مشيراً إلى إمكانية أن يرفع العراق قدرته التصديرية إلى 8 ملايين برميل يومياً بعد إكمال عدد من المشاريع.
وأضاف الجواهري، أن "العراق لا يحتاج إلى إنشاء أنبوب نفطي من البصرة إلى ميناء العقبة لأن لديه منافذ تصديرية كافية على الخليج العربي"، موضحاً أن "بلاد الرافدين تصدر وفق 'اتفاق أوبك' حالياً بحدود 3.3 مليون برميل يومياً، وقدرتنا التصديرية حالياً نحو 4.5 مليون برميل، وبعد أربعة أشهر سيتم إنشاء خطين على الخليج العربي لترتفع القدرة التصديرية إلى 6.5 مليون برميل يومياً".
وأكد الجواهري وجود مشروع لتجديد "خور العمية" من خلال إنشاء أنبوب جديد للنفط الخام، مما يرفع القدرة التصديرية إلى 8 ملايين برميل يومياً، إضافة إلى الأنبوب العراقي- التركي الذي يصل إلى ميناء جيهان المقرر أساساً رفع قدرته إلى مليون برميل يومياً.
دول الخليج والطرق البديلة
حمزة الجواهري تحدث في الوقت ذاته عن أن "دولاً مثل الكويت والبحرين وقطر والإمارات تصدر 100 في المئة من نفطها من طريق الخليج العربي، فيما تصدر السعودية 85 في المئة من نفطها وإيران 100 في المئة عن طريق الخليج أيضاً، وبإمكان هذه الدول فتح منافذ جديدة إلا أنها لم تفعل"، على حد قوله.
وأشار إلى أن مياه الخليج العربي مؤمنة جيداً، إذ تعتبر الولايات المتحدة وأوروبا والصين "أن أمن الخليج ومضيق هرمز جزء من أمنها القومي"، وهذا يعني أنه لا جدوى اقتصادية من إنشاء أنبوب البصرة – العقبة، إذ سيتم الصرف على كلفة إنشائه مع إعطاء خصومات مالية إلى الأردن ومصر.
وأوضح أن العراق سيتحمل الأخطار والكلف التشغيلية للبرميل والتي تصل إلى تسعة دولارات، فضلاً عن احتمال استهداف الأنبوب كونه يمر بوادي حوران حيث ينشط تنظيم "داعش" الإرهابي.
بدوره شدد الباحث في الشأن الاقتصادي صفوان قصي على أهمية إيجاد منافذ تصديرية جديدة تحسباً لأية أزمة في مضيق هرمز، مطالباً بإيجاد سوق جديدة للعراق نحو أوروبا عبر البحر المتوسط.
وقال قصي إن "اتباع سياسة تنويع جهات تصدير الطاقة النفطية ستسهم في خلق اطمئنان للعراق في هذا القطاع وبناء علاقة ما بين نفط الجنوب، نفط البصرة، والأسواق الأوروبية، وهو ما يسهم بدوره في تعويض النقص الحاصل فيها نتيجة انقطاع إمدادات النفط الروسية".
الأنبوب النفطي والاستثمارات الأوروبية
واعتبر قصي أيضاً أن إنشاء أنبوب "البصرة - العقبة" سيرفع صادرات العراق إلى 6.5 مليون برميل يومياً، ويمكن ارتفاع الرقم إلى 8 ملايين برميل يومياً، مضيفاً أن "عملية مرور الأنبوب إلى الاتحاد الأوروبي ستسهم في دعم قدرة الاقتصاد العراقي وجذب الاستثمارات للداخل، لأن أحد عوامل الحفاظ على استقرار البلاد هو ربطها بشركاء من النوع الثقيل".
وبيّن الباحث الاقتصادي أن العراق لديه حضور في آسيا مثل الصين والهند، ويملك صادرات إلى الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فإن ربط الاقتصادين الأردني والمصري بهذا الخط سيسهم في تغذية قدرة بغداد على النفاذ إلى الأسواق الأوروبية أكثر.
وأوضح أن بلاد الرافدين تتطلع إلى إنشاء أنبوب آخر يربط حقول كركوك بخط العقبة نفسه للاستفادة من فارق السعر بين أسواق أوروبا وآسيا.
وبحسب قصي فإن الأوروبيين يعتمدون على النفط الأميركي لتعويض حاجاتهم، متوقعاً تراجع الحصة النفطية العراقية في الأسواق الآسيوية في مقابل الانتشار الروسي المتزايد، مما يتطلب التسريع في إنشاء الأنبوب الجديد بما يسهم في تشييد مصانع للبتروكيماويات على الطريق وخصوصاً في حديثة.
لكنه في الوقت نفسها دعا إلى مراجعة كلفة الاستثمار من أجل تفادي أي أضرار جراء إنشاء الأنبوب، مقترحاً إطلاق شركة عراقية مساهمة لإنشائه لتحفيز العملة المحلية (الدينار).
وختم حديثه بأن "المنطقة تشهد أخطاراً عالية بسبب المشكلات في مضيق هرمز، ووجود مرونة لتصدير النفط العراقي عبر أنبوبي جيهان والعقبة سيسهم في تصدير النفط العراقي للأسواق العالمية والابتعاد من الأخطار".