في زوايا الأحياء والشوارع والجزرات الوسطية، حيث كانت أصوات الأطفال وضجيج الحياة اليومية تملأ الأجواء، حلت الآن المولدات الكهربائية التي دخلت حياتنا كضيف مؤقت في زمن الأزمات، لتستقر بيننا كجار ثقيل لا نستطيع الاستغناء عنه، لقد تجاوزت هذه الآلات فكرة كونها حلولا طارئة، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من البنى التحتية لقطاع الطاقة.
إذ تستعدّ بغداد لاستقبال صيفٍ ساخنٍ وسط تشغيل نحو (18) ألف مولّدةٍ كهربائيَّةٍ حكوميَّةٍ وأهليَّةٍ موزّعةٍ في عموم مناطقها، وفق ما أعلنه رئيس لجنة الطاقة في مجلس محافظة بغداد، صفاء المشهداني، الذي أشار إلى أنَّ (13) ألفاً من هذه المولّدات فقط مشمولةٌ بنظام الحصص الوقوديَّة، بينما تعمل (5) آلاف مولّدةٍ خارج التغطية الرسميَّة، ما يُؤدّي إلى تفاوتٍ كبيرٍ في أسعار الأمبير ومستوى الخدمة بين الأحياء.
ورغم إعلان وزارة الكهرباء تحقيق إنتاج غير مسبوقٍ بلغ (28) ألف ميغاواط، فإنَّ هذا الرقم لا يزال بعيداً عن تلبية ذروة الطلب التي تجاوزتْ (42) ألف ميغاواط في الصيف الماضيّ، ما يُبقي المولّدات الأهليَّة في واجهة المشهد بوصفها الحلَّ البديل والمكلف.
ويشكو المواطنون تصاعد أسعار الاشتراك الشهريِّ، إذ يصل سعر الأمبير في بعض المناطق إلى (20) ألف دينار، مقابل خدمةٍ متقطعةٍ بالكاد تكفي لتشغيل أبسط الأجهزة المنزليَّة، في وقتٍ تشهد فيه العديد من الأحياء انقطاعاً يومياً يتراوح بين ساعتين وثماني ساعات.
ويقول أبو حسن، أحد سكان منطقة الزعفرانية: "المولدات الأهلية التي يفترض أن تكون حلاً مؤقتاً، تحولت إلى كابوس يومي يثقل كاهن المواطن. أسعار متصاعدة تصل إلى عشرات آلاف الدنانير شهرياً، مقابل خدمة متقطعة بالكاد تكفي لتشغيل الثلاجة والمروحة، بينما تظل أجهزة التبريد الأخرى حبيسة السكون في أكثر الأوقات حراً".
ويضيف "تتحول حياتنا في مواسم الصيف إلى سباق مع الزمن، جدول يومي محكم لتوزيع ساعات تشغيل الأجهزة الأساسية. حتى الأوقات التي يفترض أن تكون مخصصة للراحة، أصبحت رهناً بمزاجية أصحاب المولدات ومشكلة الوقود والأعطال المتكررة".
في الطرف الآخر من المعادلة، يقف أصحاب المولدات الأهلية أمام تحديات لا تقل صعوبة عن تلك التي يعانيها المشتركون. محمد مهدي صادق، أحد أصحاب المولدات، يسلط الضوء على هذه المعاناة: "نحن أول من يتحمل تبعات انقطاع التيار الوطني المتكرر، حيث تزداد الأحمال على معداتنا بشكل كبير، ما يؤدي إلى استهلاك وقود مفرط وتكاليف صيانة باهظة".
يوضح صادق أن "الحصة المخصصة من الدولة لا تكفي، ما يضطرنا لشراء الوقود من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، مضيفاً أن "الصيانة الدورية واستبدال القطع التالفة يستهلكان جزءاً كبيراً من أرباحنا".
وتعاني البلاد من فجوة كبيرة بين الإنتاج وحجم الاستهلاك الذي يزداد سنوياً تبعاً لتزايد الطلب على الطاقة بسبب النمو السكاني، وبحسب تصريحات وزارة الكهرباء، فإنها حققت مستوى إنتاج وصل إلى ما يقارب 28 ألف ميغاواط، لأول مرة في تاريخ العراق، إلا أن هذه الزيادة قابلها ارتفاع كبير في حجم الاستهلاك الذي تجاوز 42 ألف ميغاواط في موسم الذروة العام الماضي.
وتسعى الحكومة إلى إيجاد بدائل لتعزيز منظومة الكهرباء، باعتماد الطاقة النظيفة، ومنها الخلايا الشمسية ومشاريع تحويل النفايات إلى طاقة، والتي دخلت الخطة مؤخراً بتنفيذ أول مشروع من نوعه جنوبي بغداد.