رغم فشلها في الانتخابات السابقة.. القوى المدنية تعاود المحاولة وسط شكوك حول جدواها
سكان المناطق العشوائية في العراق.. عوز وحرمان بانتظار "رحمة" حكومية!
تسريبات خميس الخنجر.. خطاب "طائفي وعنصري" ونواب يرفعون دعاوى قضائية
العراق.. منازل متهالكة تهدّد حياة أهلها وتعيّشهم بـ "رعب" دائم
تحركات أمريكية تثير قلقاً سياسياً وشعبياً.. ما هو مصير اتفاقية انسحاب القوات الأجنبية من العراق؟
تتواصل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في العراق، وتتجلى في عيش عدد كبير من السكان الفقراء في أحياء عشوائية ظهرت بعد سقوط النظام عام 2003، وسط ظروف قاسية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، خصوصاً في التجمعات السكنية التي يُطلق عليها شعبياً "بيوت التنك" أو "حي التنك"، في إشارة إلى استعمال الصفيح في غالبية منازلها التي بناها مواطنون على أراضٍ تملكها الدولة.
وتفيد بيانات وزارة التخطيط بأن عدد التجمعات السكنية العشوائية في العراق يبلغ 4 آلاف و679، يقطنها نحو 3.6 ملايين شخص، ما يعادل نسبة 10% من سكان البلاد، وتمثل الأحياء السكنية الفقيرة أجزاءً واسعة من مدن عدة من بينها العاصمة بغداد.
وفي هذه الأحياء، تتعدد القصص وتتقاطع الأحلام المؤجلة، لكن القاسم المشترك بينها هو الفقر والحرمان، يقول الناشط عمر العبد الله أن "من أبرز أسباب ظهور التجمعات العشوائية التوسّع السكاني المتسارع الذي تجاوز قدرة الدولة على التخطيط العمراني، كما تشمل الأسباب تأثيرات سنوات الحرب والنزوح الداخلي التي دفعت مئات آلاف العائلات إلى البحث عن مأوى مؤقت تحوّل مع الوقت إلى مسكن دائم رغم غياب البنية التحتية والخدمات الأساسية".
يساهم العبد الله مع مجموعة من المتطوعين في دعم سكان العشوائيات الفقراء من خلال الأعمال التطوعية، ويؤكد أنه في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات وتضاؤل فرص العمل، لا يجد عراقيون كثيرون إلا خيار الاستقرار في العشوائيات الهامشية، ما يزيد حجم المشكلة ويعيق معالجتها.
بدوره، يقول خالد حسين (52 سنة) عن قساوة عمله وظروفه المعيشية الصعبة: "أستيقظ مع أذان الفجر لألتحق بورش بناء في أطراف المدينة، وأعود قبل غروب الشمس منهكاً بمردود مالي يساعدني على تدبير معيشة أسرتي، علماً أن العمل لا يتوفر يومياً. أعيش مع زوجتي وأولادي الأربعة في بيت صغير آيل للسقوط بُني منذ أكثر من مائة عام في حي الفضل السكني الفقير بوسط العاصمة بغداد، وغالبية سكان الحي فقراء، والبيت الذي نسكن فيه يتسرب منه المطر في الشتاء وحار جداً خلال الصيف، وسبب بقائي فيه هو إيجاره الرخيص، إذ لا قدرة لي على دفع إيجار منزل جيد في حي آخر".
وتقول سعاد عبد الحسن (38 سنة)، وهي أرملة وأم لثلاثة أطفال، إنها اضطرت، بعدما فقدت زوجها في حادث عمل قبل أربع سنوات، إلى الانتقال إلى منزل في حي عشوائي بإيجار رخيص شمالي بغداد، وتضيف: "أعمل في تنظيف البيوت بين حين وآخر، وأبيع للجيران خبزاً أعده في بيتي، ولأنني لا أستطيع دفع أجرة النقل، يمشي أطفالي مسافة طويلة إلى المدرسة، وهم يحلمون بارتداء ملابس جديدة، وبالحصول على ألعاب مثل باقي أقرانهم، لكنني أوفر بالكاد طعامهم اليومي".
من جانبه، يقول منذر كريم (27 سنة): "أنهيت دراستي الجامعية في المحاسبة قبل أربع سنوات، ومنذ ذلك الحين، أطرق كل باب بحثاً عن وظيفة من دون جدوى. أقيم مع أهلي في حي شعبي يفتقر إلى الخدمات، وأشاهد يومياً معاناة الشباب من البطالة والمخدرات وانجرارهم خلف عصابات السرقة، وكلها من مخاطر السكن في الأحياء الفقيرة. خلال أيام دراستي كان يحدوني أمل كبير في أن توفر لي شهادتي عملاً جيداً. حالياً، أشعر بأن شهادتي لا قيمة لها، وأن بلدي لا يمنحنا الفرص، وتراودني أفكار سلبية باستمرار، وأرغب في الهجرة بأي طريقة".
ولا تنحصر تداعيات العيش في الأحياء العشوائية في الفقر المادي، بل تمتد لتؤثر بعمق على الصحة النفسية والجسدية للسكان. يقول المتخصص في الطب النفسي فارس موفق: "أشارك في بحث حول الآثار النفسية الناتجة من معاناة السكن في المناطق الفقيرة التي تخلو من الخدمات على السكان، وواضح أن أكثر ما يعانيه سكان هذه المناطق هو التوتر والقلق".
ويتابع أن "أطفال هذه البيئات أكثر عرضة للإصابة باضطرابات السلوك، ويعانون من ضعف في التحصيل الدراسي، ونقص في التركيز نتيجة الحرمان والإجهاد المزمن. وهذه البيئة من أبرز مواقع ظهور وانتشار السلوكيات الخطرة والإدمان والعنف التي تظهر بسبب التهميش الاجتماعي والشعور بالدونية الذي يعمّق الإحساس بالعزلة والاغتراب عن المجتمع".
وتشير وزارة التخطيط إلى أن نسبة الفقر في العراق تبلغ 17.6%، وهي نسبة مرتفعة، لا سيما أن عدد السكان يتجاوز 45 مليوناً. وتصنّف بغداد تحديداً، منذ سنوات، كإحدى أسوأ المدن للعيش في العالم، من دون أن يمنع ذلك ارتفاع الإيجارات وأسعار العقارات فيها، حيث بات امتلاك منزل أو استئجار شقة حلماً لكثير من العراقيين الذين توجهوا إلى المناطق العشوائية على أطراف المدن، وغالبيتها تعاني من غياب الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والصرف الصحي.