"شلل" تشريعي يطوّق البرلمان العراقي.. قوانين مصيرية بانتظار الفرج
رواتب مؤمّنة وخطة للتحول الرقمي... العراق يواجه أزمة السيولة بثقة وإصلاحات
إحصائية: العراق استورد زيتونًا أسود بقيمة 23 مليون دولار من تركيا
منتسبو الحشد بانتظار العدالة المؤجلة.. الصراع الانتخابي والسياسي يؤجل إقرار قانون الهيئة
أزمة رواتب كردستان تتفجر من جديد.. هل تقطع حبل الود مع بغداد؟
في توقيت حرج يسبق عيد الأضحى، فجرت وزارة المالية الاتحادية أزمة جديدة بوجه حكومة إقليم كردستان عبر قرار مفاجئ بإيقاف تمويل الرواتب، بحكم تجاوز الإقليم لحصته الدستورية، لكن ما بدا كإجراء مالي، سرعان ما أخذ أبعادا سياسية واجتماعية عميقة، أعادت التوترات بين بغداد وأربيل إلى الواجهة، وفيما تتصاعد الاتهامات المتبادلة، يحمل كل طرف الآخر مسؤولية "التجويع"، وسط تساؤلات عمّا إذا كانت أزمة سيولة، أم معركة نفوذ انتخابية مغلفة بلغة القانون.
وحول هذا الأمر، يقول عضو اللجنة المالية النيابية، معين الكاظمي، إن "قرار وزارة المالية وقف تمويل رواتب موظفي كردستان جاء نتيجةً لعدم التزام حكومة الإقليم بتعهداتها القانونية والدستورية، ما يعني أن سياسة حكومة الإقليم هي السبب المباشر في هذه الأزمة".
ويضيف الكاظمي، أن "هناك اتفاقا سابقا بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان تضمن تعديل المادة 12 من قانون الموازنة، بما يتيح استئناف تصدير النفط من الإقليم عبر ميناء جيهان التركي، وقد صادق مجلس النواب على هذا التعديل".
تجاوزات دستورية
ويؤكد الكاظمي، أن "حكومة الإقليم اختلقت مشاكل جديدة تتعلق بعقودها مع الشركات النفطية، ولم تلتزم بتصدير النفط لصالح الحكومة الاتحادية، كما استمرت في تهريب نحو 250 ألف برميل يوميا، وهو رقم مثبت رسميا لدى منظمة (أوبك)، ويضاف إلى حصة العراق البالغة 3.3 ملايين برميل يوميا، لكن عائداته لا تصل إلى خزينة الدولة".
ويشير إلى أن "وزارة المالية لم تتلق حتى الآن أي كشوفات أو مبالغ حقيقية من حكومة الإقليم، في وقت تقدر فيه الإيرادات غير النفطية للإقليم بما بين 4 – 5 ترليونات دينار سنويا".
وبحسب وزارة المالية، فقد تسلم الإقليم حتى نهاية شهر أيار نحو 13.5 تريليون دينار، وهو مبلغ يعادل أو يتجاوز حصته التراكمية من الموازنة.
في المقابل، لم تسلم حكومة الإقليم سوى 598 مليار دينار فقط من إيراداتها، ما دفع الوزارة لإيقاف الصرف واعتبار الاستمرار فيه مخالفة قانونية ومالية، خاصة مع عدم توطين رواتب الموظفين لغاية الآن، وفقا للبيانات الرسمية.
وينص قانون الموازنة الاتحادية على منح إقليم كردستان حصة سنوية تبلغ 12.67 بالمئة من الإنفاق الكلي، لكن آلية الصرف لا تتم دفعة واحدة، بل تقسم على دفعات شهرية أو فصلية، مرتبطة بشرط تسليم الإقليم لإيراداته النفطية وغير النفطية، وتوطين رواتب الموظفين.
لغة التهديد
عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد، يبين، أن "القرار سياسي بحت، ويمثل انتهاكا صارخا للدستور والاتفاقيات المبرمة بين بغداد وأربيل، وخطوة غير إنسانية تعكس استهدافا واضحا للشعب الكردي في توقيت حساس مع اقتراب عيد الأضحى".
ويلفت إلى أن "المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني يعتبر قرار وزارة المالية مخالفا للقوانين، لأنه يعاقب موظفي الإقليم وذوي الدخل المحدود، الذين ينتظرون رواتبهم لتأمين احتياجاتهم الأساسية والاحتفال بالعيد كباقي العراقيين".
وبين أن "حكومة إقليم كردستان لن تقف مكتوفة الأيدي، بل هناك جهود ومساعي متواصلة لحل هذه الأزمة، لكن إذا لم ترسل مستحقات الإقليم بشكل عادل وفق القانون والدستور بحلول الـ22 من الشهر المقبل، فإن الحزب الديمقراطي وحكومة الإقليم سيكون لهما موقف حازم وصارم دفاعا عن حقوق مواطني كردستان ورفضا لسياسات الظلم والتجويع".
وقف التمويل
وجاء قرار وزارة المالية الاتحادية بوقف تمويل رواتب إقليم كردستان، بعد أيام قليلة من إشراف رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، على توقيع اتفاقيتين استراتيجيتين في العاصمة الأميركية واشنطن مع شركتي HKN Energy وWestern Zagros الأمريكيتين، بقيمة تُقدّر بعشرات المليارات من الدولارات.
وتستهدف الاتفاقيات تطوير حقول الغاز في الإقليم، ولا سيما "ميران" و"توبخانة- كردمير" في محافظة السليمانية، ما اعتبر توسعا اقتصاديا جريئا بعيدا عن التنسيق مع بغداد، وقد قرأ مراقبون هذا التزامن على أنه يحمل دلالات سياسية، واعتبروه "ردا ضمنيا" من الحكومة الاتحادية على التحركات الاقتصادية المنفردة للإقليم، في ظل استمرار الخلافات المزمنة بشأن إدارة الثروات وتوزيع الإيرادات.
وقد دعا رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، الأحزاب الكردية إلى اجتماع عاجل، اليوم السبت، في مقره بأربيل، لكن حركة الجيل الجديد أعلنت مقاطعتها له وأكدت أن الحوار يكون تحت قبة برلمان كردستان وليس بمقار الأحزاب، حسب بيانها.
استثمار سياسي
إلى ذلك، يرى الباحث في الشأن السياسي، علي الحبيب، أن "قرار إيقاف تمويل رواتب موظفي كردستان لا يمكن النظر إليه بمعزل عن التطورات الأخيرة بين بغداد وأربيل، ورغم أن القرار يقدم على أنه إجراء مالي مرتبط بالأزمة الاقتصادية لكن توقيته وطبيعته يشيران إلى أبعاد سياسية".
ويتابع أن "هذه الخطوة تسهم في تصوير الإقليم كطرف غير ملتزم، وتُضعف موقعه التفاوضي بشأن ملفات كبرى كالموازنة والنفط والواردات الداخلية، وهذا قد يستخدم لتقليل هامش حركة أربيل سياسيا وإعلاميا".
مشدداً على أن "التزامن بين القرار وبين توقيع اتفاقات نفطية كبرى من جانب الإقليم في واشنطن، لا يمكن فصله عن سياق الصراع الداخلي".
ويرجح الحبيب أن "القرار الاتحادي فهم كرد فعل سياسي غير مباشر على ما تعتبره بغداد تجاوزا لمبدأ التنسيق المشترك في ملف الثروات"، لافتا إلى أن "الأجواء الانتخابية تضفي بعدا إضافيا على الموقف، إذ من المحتمل أن تستثمر بعض القوى الاتحادية هذا التصعيد لكسب قواعد انتخابية، عبر إظهار الصرامة في التعامل مع الإقليم".
وكانت وزارة المالية والاقتصاد في حكومة إقليم كردستان، أكدت، أمس الأول الخميس، أن وزارة المالية الاتحادية يتوجب عليها الاستمرار في تمويل رواتب الموظفين والمتقاعدين وذوي الشهداء والمؤنفلين ومستفيدي الرعاية الاجتماعية في إقليم كردستان أسوة بأقرانهم في باقي أنحاء الدولة والنأي عن خلق عراقيل غير دستورية أمام تمويلها.
وأشارت في بيانها، إلى أن الحكومة الاتحادية لم تقم إلى الآن بأداء التزاماتها فيما يخص تعويض المتضررين من ضحايا عمليات الأنفال والإبادة الجماعية والقصف بالأسلحة الكيمياوية للمواطنين في الإقليم، بل ولم تتخذ أية إجراءات في هذا الشأن، وعوضاً عن ذلك تستخدم كل الحجج في سبيل عدم تمويل رواتب الموظفين في الإقليم.