أرقام مخيفة للرواتب وعجز "كارثي".. هل تصمد الموازنة حتى نهاية 2025؟
قرار أمريكي من مجلس الشيوخ يخص الضرائب والإنفاق بفارق صوت واحد رغم الانقسام الجمهوري
البرلمان في عين العاصفة.. دعوات لاستئناف الجلسات وسط أزمات متصاعدة
الاستلام عبر منافذ خاصة.. هيئة الحشد الشعبي تطلق رواتب شهر حزيران
مياه البصرة ملوّثة.. دعوات عاجلة للحكومة قبل وقوع "كارثة إنسانية"
في حزيران عام 2014، وفي واحدة من أكثر اللحظات ظلامًا في تاريخ العراق الحديث، شهدت محافظة صلاح الدين مجزرة لم تشهد البلاد مثلها منذ عقود، في قلب مجمع القصور الرئاسية بمدينة تكريت، تحوّلت رموز السلطة إلى مشانق صامتة، حين أعدم تنظيم داعش الإرهابي ما يقارب 2000 طالب من الكلية الجوية في قاعدة "سبايكر" بطريقة ممنهجة ووحشية، في جريمة حملت بصمات طائفية وانتقامية واضحة، نفّذها خليط من الفكر المتطرف والدمار الذي خلّفه الاستبداد السابق.
المجزرة، التي ارتُكبت على ضفاف نهر دجلة، وفي باحات القصور الرئاسية للنظام السابق في تكريت، لا تزال حية في ضمير العراقيين، شاهدةً على زمنين: زمن الديكتاتورية وزمن الفوضى، وزرعت جرحًا عميقًا في الجسد العراقي لم يندمل بعد.
قصور من "الدم"
لم تكن قصور صدام حسين في تكريت مجرّد منشآت سكنية، بل كانت رموزًا لفلسفة حكم الطاغية التي تُمجّد القوة وتُرهب الشعب. بُنيت تلك القصور على أساس الهيبة، بين الذهب والرخام، وبين الأنهار الصناعية والبذخ المصطنع.
لكنها في صيف 2014، تحوّلت إلى مسارح موت، حين استُخدمت كمواقع احتجاز وتعذيب، ومن ثم إعدام جماعي لطلبة شباب لا ذنب لهم سوى انتمائهم إلى المؤسسة العسكرية ورفضهم لمشروع الطائفية والإرهاب.
الرحلة إلى "المجهول"
في قاعدة سبايكر الجوية، الواقعة شمال تكريت، كان ما يقرب من 2000 طالب عسكري ينهون تدريبهم. بعضهم من الجنوب، بعضهم من الوسط، وكلهم حلموا ببدلة عسكرية تُعيد للعراق كرامته بعد سنوات من الحرب والفوضى.
في أحد أيام حزيران السوداء، سقطت الموصل، وانهار كل شيء. لم تمر ساعات حتى وصلت الأوامر المشؤومة: "اخرجوا من القاعدة.. بأمان"، خرجوا... ولكنهم لم يعرفوا أن أقدامهم كانت تسير نحو المذبحة.
اقتيدوا، دفعة تلو أخرى، إلى مجمع القصور الرئاسية في تكريت. لم تكن السيارات تحملهم فقط، بل تحمل أحلامهم، رسائل أمهاتهم، صور أطفال لم يُولدوا بعد، وآمال وطن يبحث عن نفسه في ركام الخراب.
وقفوا في طوابير، يجهلون مصيرهم. بعضهم حاول الدعاء، آخرون ذُهلوا، وآخرون بَكوا بصمت. ثم... انطلقت الرصاصات وأُعدموا جماعيًا. بعضهم رُمي في نهر دجلة، وآخرون وُوروا الثرى في مقابر جماعية لم تُكشف جميعها حتى اليوم.
شهادات من قلب الوجع
حسن محمد التكريتي، أحد وجهاء المدينة، يقول: "سبايكر ليست فقط مأساة، إنها لعنة تاريخية على من نفذها وساهم بصمت فيها. نحن أبناء تكريت نرفض هذه الجريمة البشعة، فهي لا تمثل أهل المدينة ولا عشائرها، بل تمثل فكرًا ظلاميًا بعيدًا عن كل القيم العراقية."
أما "أم علي"، قريبة أحد الشهداء، فتقول بصوت تخنقه الدموع: "في كل سنة نأتي إلى ضفة دجلة، نقرأ الفاتحة، نوقد الشموع، ونبكي. نشعر أن أرواح أولادنا لا تزال هنا، ترفرف بين القصور، تسأل عن العدالة التي لم تتحقق بعد."
العدالة المؤجلة
مرت السنوات، وكشفت فرق الطب العدلي عن عشرات المقابر الجماعية، واستُخرجت مئات الجثث، لكن عشرات الأمهات ما زلن ينتظرن تحقيقًا حقيقيًا، محاسبة كاملة، لا استعراضًا سياسيًا، الملف لم يُغلق، والجريمة لم تُنسَ، وإن حاول البعض تسييسها أو تهميشها.
يقول المحامي عدنان أحمد الجبوري: "مجزرة سبايكر لا تسقط بالتقادم، لأنها جريمة ضد الإنسانية. مسؤولية الدولة أن تواصل التحقيق، وتكرّس هذا الملف كرمز وطني لمواجهة التطرف والإرهاب، وعدم التهاون في القصاص."
"سبايكر" لم تكن مجرد قاعدة عسكرية، بل تحوّلت إلى رمز لآلام جيل كامل، ومجزرة أعادت تشكيل الوعي الوطني تجاه الإرهاب والطائفية. وما حدث فيها من قتل جماعي أعاد تعريف معنى الهوية والانتماء في العراق.
استذكار سبايكر اليوم هو تذكير مستمر بأن الإرهاب لا دين له، وأن الوطن لا يُبنى على النسيان، بل على مواجهة الحقيقة، وتحقيق العدالة، وتكريم الشهداء.