بغداد تقلب معادلة الغاز.. واشنطن تدخل على خط التوريد وتحذيرات من "هيمنة" اقتصادية

12:37, 4/08/2025
1 121

في خضم صيف لاهب يعاني فيه العراقيون من انقطاعات متكررة في الكهرباء، تتجه بغداد نحو تغيير جذري في استراتيجيتها الطاقوية، عبر بوابة الغاز الطبيعي المسال (LNG)، في خطوة قد تعيد رسم خريطة إمدادات الطاقة وتقلّص ارتهان البلاد المزمن بالغاز المستورد.


بعد تعثر المحادثات مع شركة "بريز إنفستمنت" الإماراتية، أعادت وزارة النفط العراقية طرح مناقصة إنشاء وحدة التخزين العائمة للغاز المسال (FSRU) بشكل عاجل. وتشير كل الدلائل إلى أن شركة "أكسيليريت إنيرجي" الأميركية باتت الأوفر حظاً للفوز بهذا المشروع الحيوي، في ظل امتلاكها أسطولًا عالميًا من سفن إعادة التغويز وسجلًا ناجحًا في تشغيل مشاريع مماثلة حول العالم.

قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل



ورغم أن خطط استيراد الغاز المسال تعود إلى أوائل 2024، فإن الأمل بتشغيل وحدة FSRU قبل ذروة صيف 2025 قد تبدد، لأسباب تتعلق بالبيروقراطية وتأخر التعاقد وتجهيز البنى التحتية البحرية في أحد الموانئ الجنوبية (خور الزبير أو أم قصر). ومن المرجح الآن أن تبدأ عمليات التغويز في الربع الثاني من عام 2026، بحسب توقعات خبراء القطاع.


وتتزامن هذه الخطوة مع تراجع خطير في إمدادات الغاز المستورد، الذي انخفض من 50 مليون متر مكعب يوميًا مطلع العام إلى نحو 25 مليون فقط بحلول حزيران، وفق بيانات رسمية. هذا التراجع أسهم في هبوط قدرة التوليد الكهربائي بنحو 3.8 غيغاواط، مما فاقم أزمة الطاقة التي يعيشها العراق كل صيف، مع بلوغ ذروة الطلب حدود 30 غيغاواط، مقابل إنتاج فعلي يقل بنحو 6 غيغاواط في بعض الأيام.


صفقة جديدة


التقرير المنشور على موقع "أويل برايس" الأميركي يُظهر أن وحدة الغاز العائمة لن تكون مجرد حل تقني، بل قد تتحول إلى نقطة تحول استراتيجية في سياسة الطاقة العراقية، من خلال فتح قناة لاستيراد الغاز من الولايات المتحدة، بعيدًا عن ضغوط الإمدادات الإقليمية والعقوبات المتكررة.


مصادر في وزارة النفط العراقية أكدت أن توقيع العقد مع "أكسيليريت" بات قريبًا، وقد يتم خلال أيام، في حال اكتمال الإجراءات الفنية والمالية. وإذا ما تمت الصفقة، فقد تصل سفينة "Exemplar" التابعة للشركة الأميركية إلى المياه العراقية في أوائل 2026، بعد إكمال مهامها في البحر المتوسط.


ولأول مرة، يمتلك العراق فرصة حقيقية للوصول إلى سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي، ما يمثل اختراقًا تاريخيًا في مسار طويل من الفشل في استثمار الغاز المصاحب محليًا، والذي يُهدر منه كميات ضخمة بالحرق في حقول النفط.


"هيمنة" أميركية


رغم الترحيب الفني واللوجستي بخطوة استيراد الغاز الأميركي، أبدى عدد من المراقبين الاقتصاديين والسياسيين مخاوفهم من أن تؤدي هذه الشراكة إلى نوع جديد من الارتهان الطاقي، ولكن هذه المرة لواشنطن. ويشير بعض المحللين إلى أن دخول شركة أميركية كبرى على خط البنية التحتية للغاز قد يمنح الولايات المتحدة نفوذاً اقتصادياً مؤثراً في ملف حساس واستراتيجي في العراق.


ويحذر هؤلاء من أن غياب بدائل محلية مستدامة، واستمرار العراق في الاعتماد على الاستيراد، قد يفتح الباب أمام هيمنة اقتصادية "صامتة" تتغلغل عبر الطاقة، لا تقل تأثيرًا عن النفوذ السياسي أو العسكري.


وفي المقابل، يرى داعمو المشروع أنه يمثل ضرورة آنية لوقف تدهور منظومة الكهرباء، ويشكّل فرصة لبناء شراكات أكثر توازناً على المدى الطويل، بشرط أن يُواكب بجهود فعلية لاستثمار الغاز الوطني وتطوير الحقول غير المصاحبة.