يتصاعد الجدل في العراق مجددًا حول ملف تثبيت العقود المؤقتة في المؤسسات الحكومية، وسط ازدواجية في التصريحات الحكومية والبرلمانية، وشكوك متنامية بشأن النوايا السياسية الكامنة خلف هذه الوعود، في وقت باتت فيه موازنة 2026 هي الأمل الأخير لشريحة واسعة من الموظفين، فيما يرى اقتصاديون أن "الاستحقاق العادل" قد يتحول إلى عبء مالي كبير يُهدد استقرار الدولة الاقتصادي.
تزامن هذا التوجيه مع إعلان النائب مرتضى الساعدي بأن رئيس الوزراء "أوعز بتثبيت العقود دون استثناء"، معتبرًا أن القرار يهدف إلى "تحقيق استقرار وظيفي لما يزيد عن نصف مليون موظف متعاقد".
إلا أن وزارة المالية كانت أكثر تحفظًا، مؤكدة في وثيقة رسمية صدرت بتاريخ 30 تموز أن النظر في ملف التثبيت سيعتمد على الموارد المالية المتاحة، والنصوص القانونية المرتقبة ضمن مشروع موازنة 2026.
برلمانيون يحذرون: لا وعود قابلة للتنفيذ
رغم التصريحات الحكومية، إلا أن أوساطًا برلمانية شكّكت في إمكانية تنفيذ التثبيت حاليًا، بل وذهبت إلى وصف الأمر بأنه "خطاب انتخابي". وقال النائب محمد الخفاجي إن "أي تثبيت لن يكون ممكنًا في موازنة 2025"، مشيرًا إلى أن الموازنة الحالية جزء من خطة ثلاثية لا يمكن تعديلها جوهريًا في هذا التوقيت.
الخفاجي شدد على أن التثبيت مرهون بموازنة 2026، التي ستُعد من قبل حكومة جديدة وبرلمان مختلف، مؤكدًا أن الرواتب الحالية للمتعاقدين مؤمنة حتى نهاية العام الثالث من مباشرتهم، "ولا داعي للوعود التي لا تستند إلى صلاحيات قانونية واضحة".
عبء مالي يهدد الاستقرار الاقتصادي
من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي أحمد عبدربه إلى أن التثبيت الكامل لأكثر من 600 ألف متعاقد سيتطلب قرابة 5 تريليونات دينار سنويًا، وهو ما وصفه بأنه رقم "هائل" في ظل التحديات التشغيلية والمالية التي تواجهها البلاد.
وأضاف عبدربه أن "التحول من التعاقد المؤقت إلى التوظيف الدائم دون خطة اقتصادية واضحة، سيُعرّض الموازنة لضغوط خطيرة"، داعيًا إلى دعم القطاع الخاص كخيار بديل لتقليل الاعتماد على التوظيف الحكومي.
القلق لا يتوقف عند العواقب الاقتصادية؛ فهناك أيضًا مخاوف متزايدة من تسييس الملف مع اقتراب موعد الانتخابات، وقد عبّرت اللجنة المالية النيابية عن استغرابها من تأخّر الحكومة في إرسال جداول موازنة 2025، مشيرة إلى أن "الفراغ الزمني المتعمد" قد يُستخدم كورقة انتخابية لتمرير وعود لا تمتلك أرضية تنفيذية حقيقية.
ومع تضارب التصريحات وتزايد المخاوف، يبقى آلاف المتعاقدين عالقين بين الأمل بالتحوّل إلى موظفين دائمين، والقلق من أن تتحول قضيتهم إلى مجرد مادة دعائية تنتهي مع نهاية الحملات الانتخابية.
وقد تكون موازنة 2026 هي المحطة المفصلية التي تُحدّد مصير ملف العقود المؤقتة، لكنها لن تكون حلاً إن لم تُصاحبها إرادة سياسية حقيقية، ورؤية اقتصادية متماسكة، وقوانين تحترم عقول الموظفين ولا تُستخدم كأدوات ترويجية عابرة.