بين الاعتماد الخارجي والعجز الداخلي.. العراق يواجه امتحان الطاقة الأصعب
عاصفة الاستبعادات تفتح باب المخاوف.. تطبيق للقانون ام مخاوف لتقويض حرية التعبير؟
المفوضية تشهر مقصلتها.. قتلة وسرّاق خارج سباق البرلمان
الوجوه تتغيّر والأسماء تتوارث.. أبناء يدخلون السباق الانتخابي نيابة عن آباء مستبعدين!
إصلاح القطاع المصرفي العراقي.. بين هشاشة البنية وضغوط الإصلاح الشامل
في مشهد يتكرر كل صيف، يعود العراقيون ليواجهوا أزمة كهرباء خانقة، لكن هذه المرة يبدو الوضع أكثر تعقيدًا، فبينما تسجل معدلات استهلاك الفرد للطاقة مستويات غير مسبوقة، تتراجع قدرة الحكومة على توفير الإمدادات، خاصة بعد فقدان 600 ميغاواط من مصدر خارجي مهم، ما يعمّق من أزمة مزمنة أصبحت تهدد ليس فقط راحة المواطنين، بل استقرار الاقتصاد والخدمات العامة.
حتى بالمقارنة القريبة، ارتفع الاستهلاك مقارنةً بـ2023 (15.333 ألف كيلو واط/ساعة) و2022 (14.392 ألف كيلو واط/ساعة)، مما يشير إلى تصاعد مستمر في الطلب، يتجاوز ما يمكن أن تغطيه البنية التحتية الحالية.
ورغم هذا النمو، لا تزال القدرة الإنتاجية الفعلية عاجزة عن مجاراة الاستهلاك، في ظل اعتماد العراق بشكل كبير على مصادر خارجية ووقود مستورد، وغياب الاستثمار الجدي في الطاقات المتجددة أو تطوير المحطات المحلية.
الاعتماد على الخارج.. الديون تخنق الإمدادات
وفي تطور خطير، كشف مصدر في مديرية كهرباء نينوى أن تركيا أقدمت على فصل خط كهربائي يغذي العراق بـ600 ميغاواط، بسبب عدم تسديد المستحقات المالية. هذه الخطوة أثرت جزئيًا على محافظة نينوى، لكن تداعياتها تنذر باتساع دائرة الانقطاعات إذا لم تُحل الأزمة سريعًا.
المفارقة أن هذا الانقطاع جاء بالتوازي مع إعلان شركة "كار باور شيب" التركية عن صفقة لتزويد العراق بـ590 ميغاواط من الكهرباء عبر محطات طاقة عائمة، مع وصول بارجتين توليديتين إلى موانئ خور الزبير وأم قصر، ضمن خطة لربطهما بالشبكة الوطنية لتأمين ما يصل إلى 1500 ميغاواط إضافية.
لكن التساؤل يظل مطروحًا: هل يمكن الاعتماد على حلول مؤقتة وسط أزمة تسديد متكررة؟ وهل تتحول البارجات إلى بديل دائم في ظل فشل تطوير المحطات الأرضية؟
المقارنة الإقليمية تكشف الفجوة
مقارنة إقليمية تكشف حجم التحدي الذي يواجه العراق؛ حيث تتصدر قطر قائمة الدول العربية بأعلى استهلاك طاقة للفرد بـ214.524 ألف كيلو واط/ساعة، تليها الإمارات بـ138.027 ألف، ثم الكويت بـ105 آلاف والسعودية بـ96.883 ألف.
ورغم أن العراق لا يزال دون هذه المستويات، فإن بنيته التحتية لا تقارن بتلك الدول، مما يجعل حتى هذا الاستهلاك "المتواضع نسبيًا" عبئًا لا يمكن للنظام الكهربائي تحمله.
حلول مؤقتة
تعتمد وزارة الكهرباء حاليًا على عدد من الحلول الآنية، أبرزها التعاقدات الطارئة مع الشركات التركية، واستخدام الطاقة العائمة، وبعض مشاريع الطاقة الشمسية المحدودة، إلى جانب الخطط المشتركة مع دول الجوار (مثل الربط الخليجي).
لكن غياب إستراتيجية وطنية شاملة لتطوير منظومة الكهرباء، وتكرار الأزمات المالية والتحديات السياسية، يجعل هذه الحلول غير كافية أو مستدامة.
وتُجمع المؤشرات على أن العراق مقبل على مزيد من الضغوط في ملف الطاقة، ما لم تُعالج جذور الأزمة، فارتفاع الطلب دون تطوير الإنتاج، والاعتماد على موردين خارجيين دون التزام مالي، والتباطؤ في تنفيذ مشاريع مستدامة، كلها عوامل تُبقي المواطن العراقي أسيرًا لشبح الظلام.