العراق يشعل شرارة الاكتفاء.. السوداني يطلق أضخم مشروع تكرير في البصرة ويحقق طفرة نوعية بقطاع النفط

اليوم, 09:40
336

في مشهدٍ حمل دلالات اقتصادية وسياسية كبيرة، أطلق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مشروع وحدة التكسير بالعامل المساعد (FCC) في مصفى الشعيبة بالبصرة، إيذانًا ببدء مرحلة جديدة من التحول الصناعي في قطاع الطاقة العراقي. 

المشروع، الذي تبلغ طاقته 107 آلاف برميل يومياً، يُعدّ الأحدث والأضخم في تاريخ الصناعة النفطية الوطنية، ويضع البلاد على عتبة الاكتفاء الذاتي من البنزين والمشتقات عالية القيمة.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

من استيراد البنزين إلى تصديره

وقال رئيس الوزراء في كلمته خلال الافتتاح إن “العراق يطوي اليوم صفحة طويلة من الاعتماد على الخارج في تأمين احتياجاته النفطية”، مؤكداً أن مشروع التكسير “يمثل انعطافة حقيقية في بناء اقتصاد وطني منتج لا يعتمد على تصدير النفط الخام فحسب، بل على تحويله إلى مشتقات ذات قيمة مضافة”.

وأضاف السوداني أن “ما نشهده اليوم ليس مجرد افتتاح مشروع صناعي، بل خطوة باتجاه الاستقلال الاقتصادي… نريد للعراق أن يكون دولة مصدّرة للبنزين عالي الأوكتان بدلاً من مستوردة".

وأشار إلى أن "المشروع يندرج ضمن الخطة الحكومية الهادفة إلى تحويل 40% من النفط الخام إلى منتجات مكرّرة بحلول 2030"، موضحًا أن “العراق يسير بثقة نحو هذا الهدف بعد أن أنجز بالفعل 35% من المسار”.


عصر جديد للصناعة التكريرية في العراق

من جانبه، وصف وزير النفط حيان عبد الغني المشروع بأنه “نقلة نوعية في قطاع التصفية”، لافتاً إلى أنه "من أكبر مشاريع التكرير في الشرق الأوسط".

وقال عبد الغني في تصريح تابعه سنترال ان “بهذا المشروع سنتمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي من البنزين عالي الأوكتان خلال عام 2026، بعد أن تحقق الاكتفاء الكامل من الديزل والكيروسين، والعراق اليوم على أعتاب الاكتفاء الكامل من جميع المشتقات النفطية.”

وأضاف أن "المشروع يحقق عوائد اقتصادية تفوق 1.5 تريليون دينار سنويًا، ويقلل استيراد المشتقات ويوفر آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة”.


الانتقال من الاستهلاك إلى الإنتاج

بدوره، أكد مدير عام شركة توزيع المنتجات النفطية حسين طالب أن "المشروع يمثل إحدى الثمار المباشرة لسياسة المتابعة الدقيقة من رئيس الوزراء”، موضحًا أن “المرحلة المقبلة ستشهد تحول العراق من مستورد إلى مصدر للمشتقات”.

وقال طالب “نحن الآن أمام مشهد غير مسبوق منذ عقود — العراق ينتج أكثر مما يستهلك، وهذه النتيجة جاءت بفضل الإرادة الحكومية وتكامل الرؤى بين وزارة النفط وشركاتها.”

وأشار إلى أن "وحدة التكسير الجديدة ستسهم في رفع جودة الوقود إلى مواصفات (يورو 5)، ما يجعل العراق ضمن قائمة الدول الملتزمة بيئيًا في قطاع الطاقة”.


استثمار وطني.. بُعد استراتيجي

ووفقًا لبيانات رسمية، ينتج المشروع يوميًا 107 آلاف برميل من البنزين عالي الأوكتان والنفثا والديزل وزيت الوقود، إضافة إلى 861 طنًا من الغاز والكبريت. 

وتم تنفيذ المشروع بتكلفة بلغت 3.7 مليار دولار بتمويل ياباني ميسر، ما يجعله أحد أكبر المشاريع الاستثمارية في قطاع التكرير خلال العقد الأخير.

ويرى خبراء أن هذا الإنجاز يفتح الباب أمام عصر جديد من التصنيع النفطي المحلي، ويقلل بشكل كبير من فاتورة الاستيراد التي كانت تستنزف مليارات الدولارات سنويًا.


البصرة تنبض بطاقة وطنية

افتتاح مشروع التكسير في الشعيبة لا يختزل نجاحًا تقنيًا فحسب، بل يُعبّر عن تحول في فلسفة الإدارة الاقتصادية للعراق — من دولة ريعية تعتمد على النفط الخام، إلى دولة صناعية تمتلك أدوات إنتاجها.

ومع هذا الافتتاح، يضع السوداني وحكومته لبنة جديدة في مشروع “العراق المنتج”، لتتحول البصرة مجددًا إلى عاصمة الطاقة العراقية وواجهة التنمية المستقبلية.