دخلت ذكرى طوفان الأقصى عامها الثاني، وما تزال فصائل المقاومة الفلسطينية تُوقِع جنود الاحتلال في كمائن محكمة، رغم استخدام الجيش الصهيوني مختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، واتباعه سياسة الأرض المحروقة في محاولة للقضاء على الخلايا المسلحة داخل القطاع.
ومنذ اندلاع العدوان، حددت حكومة بنيامين نتنياهو ثلاثة أهداف رئيسية للحرب، تمثلت في القضاء على حركة حماس سياسياً وعسكرياً، واستعادة الأسرى الصهيونيين المحتجزين لدى المقاومة، وتغيير الواقع الأمني والسياسي في غزة بما يمنع أي تهديد مستقبلي.
إلا أن هذه الأهداف، وبعد مرور عامين كاملين، لم تتحقق، رغم حجم الدمار الهائل والضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء القصف الإسرائيلي المتواصل. فالاحتلال، بحسب المراقبين، فشل في تحقيق إنجاز عسكري أو سياسي حاسم، بينما واصلت المقاومة تطوير أساليبها الميدانية وصمودها في وجه آلة الحرب.
خطط ميدانية دقيقة
قيادي ميداني في فصائل المقاومة كشف عن الخطوات التي اتبعتها فصائل المقاومة، لمجابهة الاحتلال، مؤكداً أنها استخلصت دروساً من المعارك السابقة في مختلف المحافظات. وأشار إلى أن أبرز تلك الخطط تمثلت في:
امتصاص صدمة الغارات الجوية الكثيفة التي شنها الجيش الإسرائيلي في المراحل الأولى من العدوان.
تنفيذ خطط دفاعية معدة مسبقاً تتضمن مختلف السيناريوهات المحتملة لأي توغل بري.
مهاجمة القوات الإسرائيلية بعد تمركزها داخل المناطق التي تتوغل فيها.
الاعتماد على الكمائن المحكمة والأنفاق الهجومية لمباغتة العدو وإيقاع أكبر عدد من الإصابات في صفوفه.
تقنين استخدام الأسلحة وتوجيهها بدقة إلى الأهداف الحيوية.
استنزاف الجيش الصهيوني في معركة طويلة الأمد يصعب عليه حسمها ميدانياً.
الاعتماد على العقيدة القتالية للمقاومين التي ترفض الاستسلام، وتستند إلى القتال حتى اللحظات الأخيرة.
الاستفادة من معرفة تضاريس الميدان حتى في المناطق المدمرة.
توثيق المعارك بالفيديو لإبراز شجاعة المقاتلين وضرب الروح المعنوية لجنود الاحتلال.
فشل الأهداف الصهيونية
المحلل السياسي الفلسطيني ياسر أبو هين أوضح أن الاحتلال الإسرائيلي لم يحقق أهدافه المعلنة رغم الخسائر الكبيرة التي لحقت بالمقاومة، مبيناً أن الحرب هدفت إلى القضاء على المقاومة وتهجير السكان واستعادة الأسرى وطمس هوية غزة، لكن "فحص النتائج يؤكد أن الاحتلال فشل في أغلب تلك الأهداف".
وأضاف أن بقاء المقاومة على الأرض واستمرارها في المواجهة، مع وجود قيادتها رغم الخسائر، يدل على فشل مشروع الاحتلال في إنهاءها أو سلخ غزة عن المشروع الوطني الفلسطيني. وأشار إلى أن استمرار التفاوض بين الاحتلال والمقاومة حول ملفات عدة يعد مؤشراً على أن إسرائيل لم تبلغ مبتغاها بعد.
وأكد أبو هين أن أداء المقاومة خلال العامين الماضيين يمكن وصفه بأنه أسطوري بكل المقاييس، إذ تمكنت من إدارة معركة طويلة رغم الحصار الممتد لأكثر من عقدين، ونقص الموارد والدعم الخارجي، ومع ذلك أوقعت بالاحتلال خسائر فادحة وأفشلت مخططاته الميدانية.
شِراك غزة
من جانبه، أشار مدير المركز الفلسطيني للدراسات السياسية رامي خريس إلى أن المقاومة لا تزال تحافظ على وجودها وملف الأسرى بيدها، وقد نجحت في "هز صورة الجيش الإسرائيلي داخلياً وخارجياً".
وأوضح أن الجيش لم يتمكن بعد عامين من الحرب من تغيير الواقع الأمني حول غزة، فالمستوطنون في غلافها يعيشون في حالة قلق دائم مع استمرار إطلاق الصواريخ وعدم قدرتهم على العودة إلى حياة طبيعية.
وأضاف خريس أن الاحتلال، رغم تفوقه العسكري والتكنولوجي، لم يتمكن من تدمير البنية الأساسية للمقاومة أو إنهاء قدرتها على العمل الميداني، بينما نجحت المقاومة في الحفاظ على تكتيكاتها القتالية من أنفاق وعبوات وعمليات نوعية أوقعت خسائر بشرية وعسكرية في صفوف الجيش الإسرائيلي.
وفي الوقت ذاته، أشار خريس إلى أن الاحتلال حقق أهدافاً غير معلنة تمثلت في تدمير البنى التحتية وتهجير السكان وتجويعهم في محاولة لضرب صمود الشعب الفلسطيني والنيل من وعيه تجاه المقاومة.
"نصر لم يتحقق"
أما الكاتب السياسي ماجد الزبدة، فأكد أن حكومة نتنياهو فشلت في تحقيق أهدافها الإستراتيجية، بما في ذلك ما سماه "النصر المطلق"، رغم استخدامها كل أدوات القتل والتدمير والإبادة.
وقال الزبدة إن الاحتلال بات اليوم يحاول عبر الضغوط السياسية والدبلوماسية ما عجز عن تحقيقه عسكرياً، مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي "وقع في شراك غزة" ويعيش حالة استنزاف مستمرة.
وأوضح أن الأزمة داخل المؤسسة العسكرية الصهيونية تتعمق يوماً بعد آخر، مع تصاعد الدعوات لإنهاء الحرب والبحث عن مخرج سياسي بعد الفشل في تحقيق الأهداف ميدانياً.
وفي المحصلة، وبعد مرور عامين من الحرب، تؤكد الوقائع الميدانية أن المقاومة الفلسطينية لا تزال صامدة، وأن الاحتلال، رغم تفوقه العسكري، عجز عن حسم المعركة أو فرض إرادته على قطاع غزة، لتبقى الحرب مفتوحة على احتمالات سياسية وعسكرية لا تزال معقدة ومتشابكة.