"محاولات لشحن أوروبا بالخوف".. تقرير روسي يكشف أسباب إصرار "الناتو" على الحرب

اليوم, 19:30
539

في مقالٍ لافت للكاتب بيوتر ناكوبوف نُشر في وكالة ريا نوفوستي الروسية، يقدّم تحليلاً حادًّا للخطاب الجديد للأمين العام لحلف الناتو مارك روتّه، الذي أعلن أن «أوروبا هي الهدف التالي لروسيا». 

يوضح ناكوبوف أن هذه التصريحات — رغم تكرارها منذ سنوات — حملت هذه المرة «حجّة جديدة» يحاول بها روتّه شحن أوروبا بالخوف، لحملها على زيادة الإنفاق العسكري وتسريع إنتاج السلاح، بعد الفشل الغربي في أوكرانيا وتآكل القدرة على إبقاء الجبهة الشرقية صامدة.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل


المقال يذهب أبعد من الردّ على «فزّاعة موسكو»، ليعيد قراءة التاريخ ويبيّن أن أوروبا — لا روسيا — هي التي كانت دائمًا المبادِرة إلى إشعال الحروب، من غزوات نابليون إلى حملة هتلر، وأن روتّه يعيد تدوير تلك السردية لتبرير سباق تسلّح جديد، بينما الحقيقة أن أوروبا اليوم ليست قادرة على خوض حرب تقليدية مع روسيا، ولا على تحمّل نتائجها. هذا الإطار التحليلي يمهّد لنصّ لاذع يكشف تناقضات الخطاب الأطلسي ويقلب رواية «الخطر الروسي» رأسًا على عقب.

«نحن بالفعل في خطر»: الأمين العام للناتو يجد «الحجة الحديدية»

نحن الهدف التالي لروسيا، ونحن بالفعل في خطر”، هكذا أعلن الأمين العام لحلف الناتو مارك روتّه. الأطلسيون يروّعون الأوروبيين منذ سنوات بتهديد «الخطر الروسي»، وكان يمكن تجاهل التصريح الجديد لهذا الهولندي الصارم، لولا أنه وجد هذه المرة «حجّة جديدة» لإثارة حماسة رفقائه في السلاح.

فخلال مشاركته في المنتدى البرليني لمؤتمر ميونيخ للأمن، شكا روتّه من “الاطمئنان المفرط” لدى الأوروبيين: “الكثيرون يشعرون بالراحة، لا يدركون خطورة الوضع، والكثيرون يعتقدون أن الوقت في صالحنا”. هذا خطأ — بحسب روتّه — فالوقت للتحرك هو الآن. فبوتين، كما يقول، “عاد لبناء إمبراطورية”، و”الصين حبل النجاة لروسيا”، وعلى أوروبا أن تستوعب حجم التهديد وتزيد سريعًا من إنفاقها الدفاعي وإنتاجها العسكري. وإلا — يحذّر — “سنضطر للاستعداد لحرب واسعة قد تطال كل بيت”: “ربما حرب بحجم تلك التي عاشها أجدادنا”.

لكن روسيا — كما أكّد وزير الخارجية سيرغي لافروف — لا تمتلك أي خطط هجومية ضد دول الناتو أو الاتحاد الأوروبي.

بصيغة أخرى: لمنع الحرب مع روسيا يجب على أوروبا أن تتسلح بسرعة — وإلا فإن مصيرها سيكون كمصير أجداد روتّه.

ولكن، أي أجداد تحديدًا؟

فحتى والد روتّه نفسه واجه الحرب العالمية الثانية في سن الثلاثين. فقد زوجته الأولى في أحد معسكرات الاعتقال اليابانية في الهند الشرقية الهولندية (إندونيسيا حاليًا)، ثم عاد إلى هولندا وتزوج شقيقتها — والدة الأمين العام الحالي للناتو.

ولم يكن الأب تحت الاحتلال الألماني أصلًا، وبالتالي لا نعلم إن كان سينضم لصفوف قوات الـ SS كما فعل كثير من الهولنديين، أو سيختار الصمت واللامبالاة. وهذا ليس مهمًا بحد ذاته. المهم أن الحرب التي يتحدث عنها روتّه الآن أشعلها الأوروبيون هم أنفسهم، أولًا في أوروبا، ثم امتدّت شرقًا حيث شاركت فيها أيضًا وحدات هولندية.

نعم، أوروبا الموحّدة بقيادة هتلر هاجمت روسيا لتسحقها سريعًا، قبل أن تلتفت إلى “الجزيرة الصعبة المنال” التي كانت كبرى إمبراطوريات العالم آنذاك. لكن الأوروبيين غرقوا في روسيا لأربع سنوات من حرب مروعة، قبل أن يروا الروس في برلين وفيينا. يومها، أيضًا، جاءت إليهم «الإمبراطورية الروسية» — تلك نفسها التي يقول روتّه إن بوتين يعيد بناءها — دون أن يطلبوها. كما حدث عام 1814 عندما وجد الباريسيون “القصّاب القوزاق” عند أبوابهم.

واليوم — كما يرى الكاتب — يتكرر المشهد. أوروبا تحاول التمدد شرقًا “بثمن بخس”، وبدماء ليست دماءها، بعدما استغلت مأساة انهيار وحدة العالم الروسي لتضع يدها على أوكرانيا — أي على الجزء الغربي من روسيا التاريخية.

والآن، بعد أن فشلت عملية «أورَبة» أوكرانيا، لم تجد أوروبا ما تفعله سوى تكرار الأسطوانة القديمة: “إلى السلاح! العدو على الأبواب! الروس سيهاجموننا!”

ولا معنى لأي نفي روسي — فمهما كرّرت موسكو أنه لا نية لديها للهجوم على أوروبا (بما فيها جمهوريات البلطيق التي كانت سابقًا جزءًا من الدولة الروسية)، فلن يسمعها أولئك الغارقون في عقدة «الخطر الروسي». أوروبا لن تعترف أبدًا بأنها كانت — في الأغلب — الطرف الذي يبدأ الحروب مع روسيا. بالنسبة لها، روسيا “حضارة أخرى”، “أدنى”، و”تهديدٌ ثابت” يجب التخلص منه قبل أن “يستيقظ الشر الشرقي”.

لكن المشكلة — كما يقول المقال — أن هذا النموذج لم يعد يعمل.

وروته مخطئ في تخويف الأوروبيين بحرب عالمية جديدة، وفي تشبيه بوتين — ضمناً — بهتلر.

لن يعيش الأوروبيون ما عاشه أجدادهم. لأن الحرب القادمة — إن اختارتها أوروبا — لن يستطيعوا النجاة منها أصلًا.

فروسيا — كما شرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوضوح — جاهزة للحرب إذا أرادتها أوروبا، لكنّها ستكون قصيرة إلى حدٍّ لن يبقى بعدها أطراف للتفاوض.

روتّه تجاهل هذا القول، ولو علّق عليه لكان أفضل بكثير من استدعاء ذكريات الأجداد.

الأوروبيون لن يواجهوا ما واجهه أجدادهم… لأنهم ببساطة لن يبقوا على قيد الحياة إذا كرّروا الحماقة نفسها مع روسيا اليوم.