استفهامات كثيرة تحوم حول الشكوك الدائرة عن الاستنزاف المستمر لميزانيات العراق على الطاقة الكهربائية منذ نحو ثلاثة عقود، وتحديداً بعد أن بلغت الأزمة ذروتها بعد العام 2003 دون أي حل لها حتى الآن.
ومع الإمكانات التي يملكها العراق، إلا أن متخصصين في الشأن الاقتصادي يستبعدون إمكانية تحقيق البلاد الاستقرار الذاتي للطاقة، وسط تنامي الفساد وضعف الوعي الوطني مع بيروقراطية كاملة وواردات نفطية محدودة أدت إلى تلكؤ مشاريع الطاقة.
واقع مرير
ويشكو العراقيون من عدم استقرار التيار الكهربائي، ويتفق أخرون على أنه بلد غير صالح للعيش، خصوصاً في فصل الصيف مع درجات حرارة قد تصل نحو 50 درجة مئوية، ورغم لجوء الكثيرين إلى الحلول الترقيعية إلا أنها لا تحدث تغيرا كبيرا.
ويقول المهندس مصطفى أمين جمال، إننا "نعتمد بشكل أساس على مولدات ومحطات الكهرباء الأهلية التي تعمل بنظام الأمبيرات، نحن ومنذ عام 2003 نعيش واقعاً مريرا مع أصحاب تلك المولدات، لاسيما أن أغلبها لا تسد حاجة المواطنين من الطاقة الكهربائية، فهي تفتقر إلى كثير من معايير التجهيز الصحيح".
ويتابع: "رغم القوانين التي وضعتها الجهات المعنية على أصحاب مولدات الطاقة الكهربائية، إلا أن الكثير منهم يصرون على وضع التسعيرة بما يناسبهم، فهم يتحكمون في أوقات التشغيل والإطفاء"، ويكاد يجزم بـ "وجود اتفاق بين أصحاب المولدات الأهلية والمجالس المحلية حول هذه التسعيرة، مقابل أموال تتقاضاها الأخيرة لغض النظر عن ممارساتهم".
من جهته، يعبر خالد حميد عن غضبه، وهو يقول إن "الكهرباء تنقطع في منطقة (الكرادة) لأربع ساعات، ويتم تشغليها لساعة أو ساعتين، وهي بهذه الساعات القليلة تنقطع عشرات المرات".
ويرى تجاه هذا التراجع الكبير في تجهيز الطاقة الكهربائية في أنه بدا متزامنا مع ارتفاع دراجات الحرارة، ويبدو أن لا حلول أخرى سوى الاعتماد على المراوح، وهي ككل عام تجعلنا نشعر بلهيب أيام فصل الصيف الذي يّمر علينا بِشق الأنفس.
الأزمة تطال المستشفيات
تشكو رُقية عبد المجيد، وهي طالبة مقيمة، وتعمل في مستشفى مدينة الطب من عّدم قُدرتها على ممارسة عملها أثناء ساعات الدوام المسائي، مُشيرة إلى أنّ "الأجهزة لا تعمل، وأحيانا نواجه عطل في الأنظمة، الأمر الذي يؤدي إلى مشكلات أكبر، فنحن لا وقت لدينا كي نضيعه مع مرضانا"، مؤكدة أن "الكثير من الأطباء والممرضين والمرضى يشتكون من ارتفاع درجات الحرارة الشديدة في غرف يُفترض إنها مُكيفة مركزياً".
محللون اقتصاديون يجدون أن العراق في مواجهة لأزمة لا تنتهي بسنوات، وهي حصيلة عقود من حروب واضطرابات سياسية، وأزمات اقتصادية.
"فشل" متراكم
ويتحدث الخبير الاقتصادي اكرم حنتوش، قائلا إن "ملف توليد الطاقة الكهربائية فشلت الجهات المعنية في ادارته وهو ما يُجدد هذه التساؤلات، احتياج المواطن للكهرباء يصل نحو (42) الف ميغاواط وما توفره الحكومات لا يتعدى (27) الف ميغاواط، وأن هذه الفجوة في انتاج الطاقة تحدث أوقات الذروة في الصيف والشتاء".
ويتابع حنتوش، إننا "بحاجة ليس فقط لتجهيز المناطق السكنية والمشاريع الحكومية، إنما كذلك دعما الصناعة العراقية بالطاقة الكهربائية، والتي تؤثر بشكل مباشر على اقتصاد البلاد، لاسيما أن الأزمة الفنية ومشكلات الطاقة الكهربائية تؤدي إلى أزمة اقتصادية".
وينصح حنتوش: أما منح جولات تراخيص لإنتاج (30) الف ميغا واط خلال (5) أعوام لمستثمرين محليين وأجانب ينتجون كهرباء، مثلما يحدث مع الغاز والنفط والاتصالات مقابل اسعار معقولة، أو أن يُجري اتفاق مع شركات اوروبية أو صينية بموافقة أميركا (بمفاوض اقتصادي دولي) وبهذا سيتم انتاج طاقة انتاجية تُغطي الذروة قبل عام 2030، لاسيما وإن الدولة تستحصل حاليا سنويا فقط مليار ونصف دولار، ولكن مع الوصول إلى انتاج كامل وتغطية للذروة سوف ترتفع الجبايات إلى ما لا يقل عن عشرة مليار دولار سنوياً، وانهاء ملف المولدات الاهلية في العراق.
وفي وقت سابق كشف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن وضع حلول لأزمة الكهرباء منها ما هو آني ومتوسط وبعيد المدى، مؤكداً بأن هذه الأزمة متوقعة، وهي موسمية تحصل مع بداية كل صيف، مُشيرا بقوله "توجهنا بقوة نحو صيانة المحطات وأكملناها قبل بداية الصيف، وسارعنا إلى اكمال العمل في المحطات قيد التنفيذ، كما أن إنتاج الكهرباء وصل إلى 26 ألف ميغاواط"، مبيناً أن "الحلول المتوسطة المدى ستنهي أزمتي الكهرباء واستيراد الغاز". لكن التساؤل الذي كان ولا يزال مطروحا: متى تغيب أزمة انقطاع الكهرباء عن العراق؟