بين "الخوف" و "الغلاء".. اللحوم المستوردة تغزو موائد العراقيين

أمس, 20:54
523

في ظل تزايد الطلب على اللحوم وتراجع الإنتاج المحلي، أصبحت اللحوم المستوردة تحتل مساحة كبيرة في برادات الأسواق الشعبية مع قرب حلول شهر رمضان المبارك والارتفاع غير المسبوق بأسعار اللحوم المحلية.


لكن هذه الظاهرة لا تخلو من تساؤلات تثير القلق: لماذا تتباين أسعار اللحوم المستوردة بشكل لافت؟ وما هي حقيقة جودتها؟ ومن يستفيد من هذه الفجوة السعرية؟

قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل



بين لحوم تعرض بأسعار مرتفعة في الأسواق الكبرى، وأخرى تباع بأسعار زهيدة في الأسواق الشعبية، يجد المواطن نفسه في حيرة من أمره: أي اللحوم يمكن أن تكون آمنة؟ وأيها قد تخفي مخاطر صحية؟


في أحد الأسواق الشعبية المزدحمة، يقف صاحب محل جزارة ليشرح لنا الواقع المرير الذي يعيشه المواطن العراقي: "بسبب ارتفاع أسعار اللحوم العراقية يلجأ الكثيرون إلى شراء لحوم مجهولة المصدر"، ويضيف أن "سعر الكيلوغرام من لحم العجل العراقي يصل إلى 20 ألف دينار، ولحم الغنم قد يتجاوز هذا الرقم، بينما اللحوم المستوردة تتراوح أسعارها بين 8 إلى 10 آلاف دينار فقط".


هذا الفارق السعري الكبير يدفع الكثير من الأسر ذات الدخل المحدود إلى اللجوء للحوم المستوردة، خاصة تلك القادمة من دول مثل أستراليا، كما يوضح أبو أحمد، صاحب أحد الأسواق، مؤكداً بقوله "اللحوم الأسترالية أكثر طلبًا بسبب انخفاض أسعارها وجودتها".


أم حسين، إحدى المواطنات، تقول: "أفضل شراء اللحوم المستوردة؛ لأن أسعارها مناسبة، خاصة مع تدني مستوى معيشة أسرتي". لكن في الجهة المقابلة، تقف أم رسول، التي ترفض شراء لحوم مجهولة المصدر، قائلة: "أخاف على أسرتي من الأمراض والفيروسات التي قد تحملها هذه اللحوم".


وفي ظل هذه المعضلة، يطالب المواطنون الجهات المختصة بتشديد الرقابة على الأسواق ومتابعة التجار، خاصة أن بعضهم يبيع اللحوم المستوردة على أنها عراقية.


المواطن غسان حسن يرى أن "التوعية بمخاطر هذه اللحوم ضرورية، من خلال حملات توعوية وإعلامية تلعب دورًا كبيرًا في الحد من هذه الظاهرة".


الدكتورة حنان ياسين محسن، المختصة في المناعة والتغذية العلاجية، حذرت من أن استهلاك هذه اللحوم قد يعرض المستهلكين وأسرهم لأمراض خطيرة.


وأوضحت الدكتورة محسن أن "التركيب النسيجي للحوم يشبه إلى حد كبير عضلات الإنسان، ما يجعلها بيئة خصبة لنمو البكتيريا والطفيليات إذا كانت فاسدة أو مصابة"، مشيرة إلى أن "تناول لحوم فاسدة يعرضنا لهجوم كبير من قبل هذه الكائنات الضارة، ما قد يؤدي إلى الإصابة بالتسمم الغذائي، والتهابات القولون، وسوء الهضم، وحتى السرطان".


كما أشارت إلى أن بعض هذه اللحوم قد تكون ملوثة بمواد كيميائية أو هرمونات محظورة، ما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.


وشددت الدكتورة محسن على ضرورة التأكد من مصدر اللحوم قبل شرائها، قائلة: "لا تغتروا بالأسعار الرخيصة، فقد تكون صحتكم ثمناً لها". ودعت المواطنين إلى شراء اللحوم من مصادر موثوقة ومعروفة، وعدم المخاطرة بصحتهم من أجل توفير بضعة دنانير.


 من جانبه، كشف الخبير الاقتصادي دريد العنزي عن الأسباب الكامنة وراء انتشار اللحوم المجهولة المصدر في الأسواق المحلية، مشيرًا إلى أن "عدم السيطرة على المنافذ الحدودية، إضافة إلى المنافذ غير الرسمية، أدت إلى دخول كميات كبيرة من هذه اللحوم بأسعار رخيصة".


وتساءل العنزي باستغراب: "كيف تسمح حكومات البلدان المصدرة بذلك؟"، مؤكدًا أن "تصدير لحوم مجهولة المصدر أو غير مطابقة للمواصفات الصحية يُعد مخالفة قانونية".


وأضاف أن "من يسمح بدخولها إلى العراق يرتكب مخالفة أخرى، ولو كانت هناك دعاوى قانونية من قبل المستهلكين المتضررين، لما تكررت مثل هذه الحالات".


ونبه العنزي على أن استيراد الحيوانات الحية المريضة يشكل خطرًا أكبر من استيراد اللحوم المصابة، مستدلًا بنفوق أعداد كبيرة منها في السابق. وأكد أن هذه الممارسات تهدد ليس فقط صحة المواطنين، بل أيضًا الاقتصاد الوطني.


وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة تشكيل لجان تحقيقية تبدأ من الجمارك وتصل إلى التجار، بهدف كشف الفساد ومعاقبة المتورطين. كما طالب بتعويض المتضررين من هذه الممارسات، مؤكدًا أن ذلك سيكون رادعًا لمن يتلاعب بسلامة الغذاء وصحة المواطنين.


وما زاد من تفاقم المشكلة، أنباء انتشار الحمى القلاعية في البلاد، إذ أفادت تقارير بدخول باخرة أفريقية تحمل 2400 رأس من العجول المصابة بالمرض، وقد تم إدخالها بعد تزوير أوراقها التي تشير إلى أنها ذات منشأ يمني، وخالية من الأمراض، في الوقت نفسه أكدت وزارة الصحة أنها لم تسجل أي إصابة بسبب الحمى القلاعية. 


وفي مؤتمر صحفي عقدته وزارة الزراعة للحديث عن آخر مستجدات مرض الحمى القلاعية، أعلن وزير الزراعة د.عباس جبر المالكي عن إحصائية الإصابات بالحمى القلاعية التي بلغت 3 آلاف رأس من الماشية، لافتاً إلى أن الحمى القلاعية موجودة منذ أكثر من 90 عاماً، إضافة إلى أن الأدوية واللقاحات متوفرة بشكل مجاني، مؤكداً أن انتقال الحمى القلاعية إلى الإنسان عبر اللحوم والألبان مجرد شائعة.