تركيا تُسقط اتفاق النفط مع العراق.. ضربة دبلوماسية أم إعادة رسم للنفوذ؟
رغم ضجيج أردوغان الإعلامي.. العراق يُكابد جفافاً غير مسبوق وأيادِ خفية تستغله لتأجيج الشارع
قانون الحشد يتصدر ترند العراق على منصة "اكس" دعوة لإقراره
الدينار العراقي يضيّق الخناق على السوق السوداء.. انتعاش حذر في ظل التهديدات
العقار بوابة الفساد.. غسيل الأموال العراقي يزدهر خارج الحدود
في خطوة مفاجئة تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية، أنهت تركيا العمل باتفاقية أنبوب النفط مع العراق، ما أثار تباينًا في ردود الفعل بين من وصف القرار بـ"الضغط الاستراتيجي" وبين من قلل من تأثيره على الاقتصاد العراقي، نظرًا لتوقف الضخ عبر الخط منذ أكثر من عام.
هذه الخطوة فتحت الباب أمام سلسلة من القراءات والتأويلات، بين من رآها تصعيدًا سياسيًا واقتصاديًا، وبين من اعتبرها مجرد ورقة ضغط تفاوضية في توقيت بالغ الحساسية، خاصة مع سعي العراق لإعادة تفعيل تصدير نفطه عبر نفس المنفذ بعد توقف دام عامين.
حلول بديلة
لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية في مجلس النواب العراقي حذّرت من تداعيات القرار التركي، وطرحت مقترحات لمعالجة الموقف. عضو اللجنة علي المشكور قال إن "العراق سيفقد أحد منافذ تصدير نفطه"، رغم أن الضخ متوقف منذ مدة، موضحًا أن "الكميات تم تعويضها عبر الخليج، إلا أن خسارة خط جيهان تُعدّ خسارة استراتيجية".
وأشار المشكور إلى أن اللجنة سبق وأن طالبت بفتح قنوات بديلة لتصدير النفط، إلا أن هذه الدعوات لم تلقَ الجدية المطلوبة، مقترحًا في المرحلة المقبلة تفعيل خطّي التصدير عبر سوريا والسعودية.
فرصة لتفاهمات أفضل
رؤية الحكومة العراقية جاءت أكثر هدوءًا وتفاؤلًا. المستشار المالي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، أكد أن "القرار التركي لا يشكّل ضررًا مباشرًا"، مذكّرًا بأن خط جيهان متوقف منذ أكثر من عامين بسبب إشكالات قانونية وتحكيم دولي.
وأوضح صالح أن "العلاقات الاستراتيجية بين العراق وتركيا، لا سيما ضمن مشروع (طريق التنمية)، تقتضي إعادة تنظيم العلاقة النفطية باتفاقية جديدة أكثر اتزانًا تخدم المصالح المتبادلة"، مشددًا على أن أي اتفاق مستقبلي يجب أن يقوم على قاعدة "الربح المتبادل" ومن دون ضغوط أو إملاءات.
من حانبه عد الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي القرار التركي نتيجة مباشرة لسلسلة من الإشكالات السياسية والقانونية، أبرزها حكم محكمة التحكيم الدولية الذي قضى بتغريم أنقرة 1.5 مليار دولار لصالح العراق، بسبب صادرات نفطية غير مرخصة من إقليم كردستان خلال الفترة بين 2014 و2018.
الهاشمي أكد أن "إلغاء الاتفاقية يعيد مفاوضات تصدير نفط الإقليم إلى المربع الأول، ويضع الحكومة العراقية أمام ضرورة التحرك دبلوماسيًا وعلى أعلى المستويات للتوصل إلى اتفاق جديد يعيد تشغيل الخط ضمن تسوية سياسية شاملة".
مشروع استراتيجي قيد التنفيذ
من جانب آخر، كشف الخبير الاقتصادي الدكتور نبيل المرسومي عن مشروع طموح بديل يجري العمل عليه منذ أواخر 2024. المشروع يتمثل بخط أنابيب جديد يمتد من البصرة إلى حديثة ثم إلى مدينة سلوبي في جنوب تركيا، مع طاقة تصديرية متوقعة تصل إلى 2.2 مليون برميل يوميًا.
وبحسب المرسومي، فإن "هذا المشروع لا يتوقف عند النفط فقط، بل يتضمن أيضًا خطًا لنقل الغاز، وهو ما يتيح للعراق فرصة تصدير الغاز أو استيراده مستقبلاً من تركيا أو أوروبا"، مضيفًا أن المشروع يتناغم مع ممر (طريق التنمية) ويعزّز موقع العراق كمركز طاقة إقليمي.
وأشار إلى أن المشروع الجديد يضم أيضًا فرعًا استراتيجيًا ينطلق من بيجي وصولاً إلى فيشخابور على الحدود التركية، بما يتيح للعراق تنويع منافذه وتوسيع أسواقه في أوروبا والولايات المتحدة.
قرار مدروس أم ورقة ضغط؟
الخبير جليل اللامي يرى أن توقيت القرار التركي لم يكن عشوائيًا، بل جاء متزامنًا مع جهود العراق لاستئناف تصدير النفط من كردستان عبر شركة (سومو) الحكومية، ما يجعل من إلغاء الاتفاق وسيلة ضغط واضحة تستخدمها أنقرة لتحسين شروط التفاوض.
اللامي أشار إلى أن القرار يمكّن تركيا من تعزيز نفوذها التفاوضي، وفرض شروط جديدة في ملفات متشابكة، مثل الإيرادات النفطية بين بغداد وأربيل، وربما دفع العراق إلى تسريع خطوات الربط بمشروع (طريق التنمية) الذي تراه أنقرة ممرًا حيويًا للطاقة والتجارة.
وبين رؤيتين متناقضتين، واحدة ترى في القرار "ضربة موجعة" والثانية تعتبره "فرصة تفاوضية"، يبقى الواقع مرهونًا بخيارات العراق في إدارة الملف، فبين مشاريع الأنابيب الجديدة، وممرات الطاقة الإقليمية، والخلافات مع كردستان، يبدو أن العراق أمام لحظة تحول كبرى تتطلب حنكة سياسية وتخطيطًا استراتيجيًا لإعادة صياغة موقعه في خريطة الطاقة العالمية.