قائمة السفراء الجدد.. "توريث" المناصب يضرب السلك الدبلوماسي
التوك توك.. من حلم الفقراء إلى كابوس المدن العراقية
بين الاعتماد الخارجي والعجز الداخلي.. العراق يواجه امتحان الطاقة الأصعب
عاصفة الاستبعادات تفتح باب المخاوف.. تطبيق للقانون ام مخاوف لتقويض حرية التعبير؟
المفوضية تشهر مقصلتها.. قتلة وسرّاق خارج سباق البرلمان
دخل "التوك توك" إلى العراق بعد عام 2003، باعتباره حلاً مؤقتاً لأزمة النقل العام، بخاصة داخل الأحياء الشعبية، لكنّه سرعان ما خرج عن السيطرة.
لم يعد "التوك توك" مجرد وسيلة نقل شعبية منخفضة التكلفة في العراق، بل تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى رمز للفوضى، ومصدر تهديد يومي لأمن المواطنين في ظل غياب التنظيم القانوني وضعف الرقابة الأمنية، وتزايد استغلال هذه المركبات في حوادث السرقة والاعتداءات. ويرى عراقيون أن غياب التنظيم القانوني فتح الباب أمام الفوضى القائمة، ويذهب بعضهم إلى حدّ اعتبار استمرار هذه الأوضاع جزءاً من إهمال حكومي متعمّد للمدن العراقية.
وتشير تقارير مجتمعية إلى أنّ البطالة وأزمات النقل دفعت أعداداً كبيرة من الشبان والمراهقين، بعضهم لم يبلغ السن القانونية، للعمل سائقي "توك توك" في المدن الكبرى مثل كربلاء والنجف والبصرة، وفي العاصمة بغداد، والكثير منهم يقودون من دون تراخيص أو حتّى هويات، ما يفاقم الحوادث المرورية، كما أظهر تحقيق ميداني سابق، أن غالبية هؤلاء السائقين يفتقرون إلى المعرفة بقوانين المرور، ما يعرض حياتهم وحياة المارة للخطر، ويخلق بيئة مرورية غير آمنة.
وسعت الحكومة العراقية إلى تنظيم هذا القطاع من خلال قرارات عدّة، أبرزها منع مجلس الوزراء في مايو/أيار 2023، استيراد "التوك توك" ووقف إصدار التراخيص لتصنيعه محلياً، وإلزام السائقين بتسجيل المركبات، ووضع لوحات مرورية خلال مهلة ثلاثة أشهر تحت طائلة المصادرة، لكن تطبيق القرار ظلّ جزئياً، وفي حين فرضت محافظات مثل نينوى (شمال) حظراً تاماً على دخول "التوك توك" اكتفت محافظة كربلاء بمنع تجواله في مركز المدينة ومناطق الزوار، بينما بقيت بغداد تشهد فوضى مرورية.
من كربلاء، تقول أميرة خالد: "وجود سائقي التوك توك في المدينة لا مبرّر له. زوج ابنتي تعرض لحادث، ورغم أن السائق كان المخطئ، اضطررنا لدفع خمسة ملايين دينار بسبب تدخل العشائر وفق ما يسمى (الفصل). أعدادهم باتت مبالغاً فيها، وأجورهم ليست قليلة، فضلاً عن تورط بعضهم في سرقة حقائب السيدات، وفي فترة المدارس يزعجون المعلمات والطالبات. نطالب بإبعادهم عن المدينة، لكن المحافظ يتعامل معهم على أنهم أصحاب أرزاق، وهذا غير مقبول لأننا نتعرض للخطر يومياً، كما أن وجودهم يشوّه كربلاء التي بدأت تنعم باستقرار أمني".
وتعج مواقع التواصل بمقاطع مصوّرة لحوادث سرقة واعتداء ارتكبت باستخدام "التوك توك" منها سرقة أجهزة لوحية وهواتف من أيدي الأطفال، واستدراج النساء وكبار السن لسلبهم أموالهم، وصولاً إلى إطلاق النار من تلك المركبات في الأحياء المكتظة.
تعرضت العراقية أم كرار (55 سنة) لسرقة حقيبتها التي تضمّ راتبها التقاعدي، وتقول لـ"العربي الجديد": "ذهبت لأسحب راتبي التقاعدي، وعند عودتي خطف سائق توك توك يسير بسرعة حقيبتي بالقوة، واختفى. لم أستطع رؤيته، ولا يوجد رقم يمكنني أن أحفظه كي أبلغ عنه".
ويشتكي مواطنون من تكرار مخالفات السير التي يرتكبها سائقو "التوك توك" ومنها عرقلة حركة المرور. يقول إبراهيم كامل لـ"العربي الجديد": "تعرضت للكثير من مضايقات أصحاب التوك توك أثناء السير في الشوارع العامة، فهم لا يلتزمون بأنظمة القيادة، ويقودون بسرعات غير مبرّرة، كما يستخدمون المسار الأيسر السريع الذي يفترض أن يبتعدوا عنه تماماً، وبعضهم لا يمتلك حتى المرايا الجانبية، وهي من ضروريات القيادة. الشارع أصبح فوضى لأن أغلبهم صغار في السن، ولا يمتلكون إجازات قيادة، ولا يملكون حتى الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها السائق".
بدوره، يقول المختصّ في الشأن الأمني، حسين العزاوي: "ظاهرة التوك توك لم تعد مجرد قضية مرورية أو خدمية، بل أصبحت انعكاساً لخلل أوسع في الإدارة الحضرية، وفي غياب التخطيط الاستراتيجي للدولة، فالسماح بانتشار هذه المركبات من دون تنظيم صارم يعكس عدم قدرة المؤسّسات على فرض القانون، ما يمنح بيئة خصبة للجريمة والفوضى، وما يحدث اليوم هو نتيجة تراكمات لسنوات من السياسات الارتجالية التي تفضل تغليب الحلول المؤقتة على المعالجات الجذرية، وهذا يضرّ بصورة المدن العراقية، ويقوّض ثقة المواطن بالدولة".
ويضيف العزاوي: "الأمر يرتبط مباشرةً بغياب فرص العمل، وارتفاع نسب البطالة، وتراجع قطاع التعليم والتدريب المهني، إضافة إلى ضعف برامج التنمية الموجهة للشباب، وهذه الفراغات الاقتصادية والاجتماعية دفعت كثيرين إلى البحث عن أي مصدر دخل، حتى وإن كان غير منظم، أو كان محفوفاً بالمخاطر، مثل قيادة التوك توك، وبمرور الوقت تحولت هذه الممارسة إلى بيئة تُغذي الانفلات، وتؤثر سلباً على النسيج المجتمعي والأمني في البلاد".
ويؤكد ستار حامد، وهو أحد عناصر شرطة المرور في كربلاء، لـ"العربي الجديد"، أنّ "مديرية المرور منعت دخول التوك توك إلى المحافظة بعد تزايد حوادث السير وجرائم السرقة، وسمحت لها فقط بالتجول في بعض المناطق الشعبية التي تضم أسواقاً لتسهيل عملية نقل البضائع وتنقل كبار السن، مثل حي العامل، ومنطقة السيف سعد. نواصل متابعة المركبات، ورصد المخالفات، وفي بعض الحالات نقوم بحجزها، أو فرض غرامات مالية بحق السائقين المخالفين".
من جانبها، حذرت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي مراراً من خطورة "التوك توك"، ويقول عضو اللجنة علاوي نعمة، إن "المتابعة الأمنية مستمرة من أجل ضبط سير التوك توك في الشوارع، مع التشديد على وجود لوحات مرورية لكل مركبة، بخاصة أنّها أصبحت تُستغل من بعض العصابات في العمليات الاجرامية لسهولة تحركها في المناطق السكنية".
ويضيف نعمة: "وزارة الداخلية تعمل بين الحين والآخر على وضع ضوابط لحركة المركبات، ومن ضمنها التوك توك، الذي كان سبباً في ارتفاع الحوادث المرورية بمناطق مختلفة، خاصة أن أغلب السائقين من صغار السن".