تشهد الساحة السياسية العراقية حراكاً متصاعداً بين مختلف القوى والكتل، في إطار مساعٍ متواصلة لحسم الاستحقاقات الدستورية ضمن التوقيتات المحددة، وسط مفاوضات نشطة داخل قوى «الإطار التنسيقي»، إلى جانب تحركات سنية وكردية تهدف إلى تثبيت معادلة الشراكة الوطنية واحترام مبدأ التوازن السياسي.
وتشير المعطيات إلى أن المشهد العام يتجه نحو بلورة «تفاهمات مرحلية» تسعى إلى تفادي الانسداد السياسي وتعزيز الاستقرار وحماية السيادة الوطنية خلال المرحلة المقبلة.
وفي هذا السياق، شكّل الحزب الديمقراطي الكردستاني وفداً تفاوضياً رباعياً لفتح قنوات الحوار مع القوى الشيعية والسنية، في وقت استبعدت فيه كتل سياسية حدوث أي تعديل على قائمة المرشحين المطروحين لرئاسة مجلس الوزراء داخل «الإطار التنسيقي»، مؤكدة أن المشاورات لا تزال مستمرة بوتيرة بطيئة لاختيار الشخصية الأنسب لتولي المنصب.
حراك سياسي متسارع
وقال المتحدث الرسمي باسم ائتلاف النصر، عقيل الرديني، إن المشهد السياسي يشهد نشاطاً ملحوظاً واجتماعات مكثفة بين الكتل، ولاسيما داخل الإطار التنسيقي، بهدف التوصل إلى تفاهمات نهائية تتعلق بتوزيع الحقائب الوزارية وفقاً للاستحقاقات الانتخابية.
وأضاف الرديني أن لجاناً مختصة باشرت بدراسة أسماء المرشحين المحتملين لرئاسة الحكومة المقبلة، مرجحاً حسم هذا الملف خلال الأسبوع المقبل، في ظل مؤشرات تفيد بأن المرشح سيأتي من داخل الإطار التنسيقي.
وأشار إلى أن الإطار يمتلك مهلة دستورية تصل إلى 60 يوماً لتسمية الكتلة الأكبر وتكليف رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، مؤكداً أن الأولوية الحالية تنصب على استكمال اختيار رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية خلال الأيام القليلة القادمة.
وبيّن أن موعد الجلسة الأولى لمجلس النواب، المقرر عقدها في التاسع والعشرين من الشهر الجاري برئاسة أكبر الأعضاء سناً، يعزز فرص التوصل إلى توافقات بشأن رئاسة المجلس ونائبيه، بما يضمن الانطلاق بسلاسة نحو بقية الاستحقاقات الدستورية، وفي مقدمتها تشكيل الحكومة.
وفي ما يخص منصب رئيس الجمهورية، أوضح الرديني أن الخلافات لا تزال قائمة بين القوى الكردية، مشيراً إلى مساعي الحزب الديمقراطي الكردستاني لنيل المنصب بدعم من زعيمه مسعود بارزاني، رغم استمرار التعقيدات السياسية مع الاتحاد الوطني الكردستاني.
ثبات قائمة المرشحين
من جانبه، أكد المتحدث باسم حزب «اقتدار وطن» علي العطواني أن المشاورات داخل الإطار التنسيقي بشأن اختيار رئيس الوزراء تسير ببطء، مبيناً أنه لم يطرأ أي تغيير على قائمة المرشحين التسعة حتى الآن، بانتظار استكمال عدد من الاستحقاقات الدستورية الأساسية.
وأوضح العطواني أن الإطار يترقب حسم ملفي رئاسة مجلس النواب ورئاسة الجمهورية لما لهما من تأثير مباشر في مسار التفاهمات السياسية، لافتاً إلى أن المجلس السياسي الوطني للمكون السني لم يحسم بعد مرشحه لرئاسة البرلمان، وسط حديث عن انحصار المنافسة بين مثنى السامرائي ومحمد تميم.
وأضاف أن الساحة الكردية تشهد بدورها نقاشات معقدة بين الحزبين الرئيسيين لحسم مرشح رئاسة الجمهورية، من دون التوصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن.
وأشار إلى أن منصب نواب رئيس مجلس النواب بات قريباً من الحسم بين الإطار التنسيقي والمكون الكردي، شريطة إعلان المكون السني مرشحه لرئاسة المجلس، تمهيداً لاستكمال توزيع المناصب الدستورية.
وأكد أن الجميع بات ملزماً بالمدد الدستورية المعلنة، ولاسيما بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، موضحاً أن الجلسة الأولى ستُعقد برئاسة النائب الأكبر سناً عامر الفائز عن كتلة تصميم، ومن المتوقع أن تشهد تحديد موعد التصويت على هيئة رئاسة البرلمان.
مشاورات المجلس السياسي الوطني
بدوره، أوضح عضو تحالف العزم، الدكتور صلاح الدليمي، أن المجلس السياسي الوطني يواصل لقاءاته مع بقية القوى السياسية، وقد حقق تقدماً في عدد من التفاهمات التي تصب في مصلحة العملية السياسية، ولاسيما ما يتعلق بالالتزام بالتوقيتات القانونية وتسريع حسم الرئاسات وفق مبدأ التوافق الوطني.
وأضاف الدليمي أن أبرز مطالب المجلس تتمثل في التزام الكتل بمرشح المجلس لرئاسة البرلمان، إلى جانب احترام ما يتم الاتفاق عليه في البرنامج الحكومي بوصفه إطاراً ملزماً لتنفيذ أولويات المرحلة المقبلة وتعزيز الاستقرار.
وأشار إلى أن المجلس سيعقد اجتماعاً، اليوم الأحد، في منزل ثابت العباسي لحسم أسماء المرشحين لرئاسة مجلس النواب، مرجحاً أن تكون المنافسة بين مثنى السامرائي رئيس تحالف العزم ومحمد الحلبوسي رئيس حزب تقدم.
وأكد ترحيب المجلس بزيارة الوفد الكردي، وحرصه على مناقشة الملفات المطروحة بروح التعاون، بما يعزز الشراكة الوطنية ويحفظ السيادة ووحدة الموقف السياسي.
وفد الحزب الديمقراطي الكردستاني
من جهته، قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني وفا محمد إن الوفد الكردي الذي كُلِّف بالتفاوض مع القوى الشيعية والسنية شُكّل وفق رؤية واضحة تهدف إلى ترسيخ الشراكة الوطنية وضمان الحقوق الدستورية لإقليم كردستان ضمن الدولة العراقية.
وأوضح أن الوفد يترأسه فاضل ميراني ويضم في عضويته فؤاد حسين ونوزاد هادي وأوميد صباح، مشيراً إلى أن هذه الشخصيات تمتلك خبرة سياسية تؤهلها لإدارة المفاوضات في هذه المرحلة الحساسة.
وأضاف أن الوفد سيطرح خلال المباحثات جملة من المطالب المتعلقة بالملفات العالقة بين بغداد وأربيل، وفق مبدأ الشراكة والتوازن، لافتاً إلى أن التركيز في هذه الجولة يشمل أيضاً ملف تعديل قانون الانتخابات لما له من أهمية في ضمان تمثيل عادل وتنظيم العملية الانتخابية المقبلة.
وبيّن أن المفاوضات مع الاتحاد الوطني الكردستاني لا تزال مستمرة برئاسة هوشيار زيباري، دون التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن تشكيل حكومة الإقليم أو الموقف الموحد من الاستحقاقات الاتحادية، معرباً عن أمله في أن تسهم الاجتماعات المقبلة في تضييق فجوة الخلافات.
وأكد أنه في حال تعذر التوصل إلى تفاهم مع الاتحاد الوطني، فإن الحزب الديمقراطي سيتجه إلى تقديم مرشحه الخاص لمنصب رئيس الجمهورية، أما في حال نجاح التفاهمات، فسيشدد الحزب على ضرورة حصول أي مرشح على موافقة رئيسه مسعود بارزاني، باعتبار وحدة القرار الكردي عاملاً أساسياً لتعزيز الموقف التفاوضي.
تفاهمات مرحلية لا حلول نهائية
بدوره، رأى المحلل السياسي الدكتور طالب محمد كريم أن المشهد السياسي يتجه نحو تفاهمات مؤقتة أكثر من كونه متجهاً إلى اتفاقات حاسمة، معتبراً أن هذا التوصيف يعكس طبيعة المرحلة الراهنة.
وأوضح أن الإطار التنسيقي يركز على حماية استقرار الحكومة والحفاظ على تماسكه الداخلي، مع اعتماد سياسة إدارة الخلافات بدلاً من تصعيدها، إدراكاً لتداعيات أي توتر على مجمل العملية السياسية.
وأشار إلى أن المجلس السياسي السني يعيد ترتيب أولوياته باتجاه تثبيت المكاسب وتحسين شروط المشاركة، مع إدارة خلافاته بمنطق تقليل الخسائر.
ولفت إلى أن زيارة الوفد الكردي إلى بغداد تمثل انتقال المفاوضات إلى مرحلة أكثر جدية، حيث تُطرح المطالب الكردية بمرونة وبراغماتية أكبر، انسجاماً مع المعطيات الإقليمية الراهنة.
وأكد أن التفاهمات المرتقبة تهدف بالأساس إلى تهدئة المشهد ومنع الانسداد السياسي، عبر تسويات مرحلية تؤجل الخلافات الكبرى بدلاً من حسمها نهائياً.
استمرار الخلاف الكردي
في السياق ذاته، أوضح المتحدث الرسمي باسم نائب رئيس حكومة إقليم كردستان قوباد طالباني، سمير هورامي، أن اجتماعاً رسمياً واحداً فقط عُقد بين الحزبين الكرديين الرئيسيين بعد الانتخابات النيابية، وتحديداً في السادس عشر من الشهر الجاري، دون التوصل إلى اتفاق بشأن منصب رئيس الجمهورية.
وأشار إلى أن لجنة مشتركة كانت قد أعدت قبل الانتخابات ورقة سياسية تضمنت رؤى مشتركة لإدارة المرحلة المقبلة، إلا أن الخلافات حالت دون الاتفاق على تشكيل الكابينة الوزارية العاشرة في الإقليم.
وأضاف أن الاجتماعات استؤنفت لاحقاً لرسم خارطة طريق مشتركة بشأن الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، إلا أنها لم تسفر عن نتائج ملموسة، مؤكداً أن كلا الحزبين سيتجهان إلى تقديم مرشحيهما لمنصب رئيس الجمهورية.
من جانبه، قال المستشار السياسي في برلمان إقليم كردستان والقيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني محمود خوشناو إن الاجتماع الأخير بين الحزبين لم يفضِ إلى بدء مفاوضات جدية بشأن تشكيل الحكومتين الاتحادية والإقليمية.
وأشار إلى أن مزاحمة الحزب الديمقراطي للاتحاد الوطني على منصب رئاسة الجمهورية خلال الدورات البرلمانية الأخيرة تركت آثاراً سلبية على العلاقة بين الطرفين، مؤكداً ضرورة العمل بورقة سياسية موحدة قائمة على الشراكة الحقيقية، بعيداً عن فرض الإرادات، بما يخدم مصلحة العراق ومواطنيه.