مزرعة "فدك" تنعش زراعة النخيل في العراق.. جهود كبيرة لزراعة أصناف تمور محلية ومستوردة
العراق بين أزمات الطاقة واستمرار الاعتماد على الخارج.. نظرة على واقع الكهرباء والغاز
المدينة الإدارية في بغداد.. آمال معلقة على جدران التصريحات الحكومية
بالوثائق.. تمرير صفقة ضخمة بعد إقالة المعترض عليها.. ماذا حدث بوزارة التجارة؟
بوجه "الجولاني" أم "الشرع".. أيادٍ ملطخة بدماء العراقيين على طاولة قمة بغداد!
تختزل مأساة بغداد بمشهدٍ يتكرر كل صباح، آلاف السيارات عالقة أمام مبانٍ حكومية شيّدت بعشوائية، بينما الموظفون والمراجعون يخوضون معركة يومية ضد الزمن والزحام، في الوقت الذي تتجه فيه العواصم العالمية إلى إنشاء مجمعات وزارية خارج النطاق العمراني المركزي، تكرس بغداد نموذجاً فريداً من التشتت المؤسسي، يجعل من كل مبنى حكومي جديد بؤرة لاختناق مروري.
هذه الكثافة المؤسسية غير المبررة تطرح أسئلةً محرجةً عن غياب الرؤية التخطيطية، وتكشف عن فاتورة باهظة يدفعها المواطنون يومياً، سواء في الوقت المهدور أو الطاقة المستنزفة أو الخدمات المتدنية.
في شهادة تعكس معاناة يومية يعيشها آلاف العراقيين، أشار المواطن أحمد كاظم إلى الصعوبات الجمة التي يواجهها أثناء تنقله بين الوزارات لإنجاز معاملاته الرسمية، قائلاً: "كل زيارة لدائرة حكومية تتحول إلى رحلة مرهقة تستنزف الوقت والجهد بسبب الزحام المروري الخانق الذي تعيشه شوارع بغداد"، متسائلاً: "لماذا لا نلجأ إلى حلول مجربة مثل إنشاء مجمع وزاري موحد يختصر كل هذه المعاناة؟".
وفي تأكيد على هذه المطالبة، أيد الموظف الحكومي سلام جعفر هذا التوجه، مشيراً إلى أن "إنشاء مدينة إدارية متكاملة للوزارات، أصبح ضرورة ملحة لتجاوز العراقيل اليومية التي تواجه الموظفين والمراجعين على حد سواء".
هذه المطالبات الشعبية تأتي في وقت تشهد فيه بغداد ازدحاماً مرورياً غير مسبوق، حيث تشير إحصاءات مديرية المرور إلى أن 40 بالمئة من الحركة المرورية الصباحية في المناطق المركزية سببها تنقل الموظفين والمراجعين للمباني الحكومية.
وفي تشرين الثاني الماضي، أعلنت لجنة الاستثمار والتنمية النيابية في عن مشروع طموح لإنشاء المدينة الإدارية، والذي من المتوقع أن يضم الدوائر والوزارات كافة.
وأوضح رئيس لجنة الاستثمار والتنمية النيابية النائب حسن قاسم الخفاجي أن "هناك خطة حكومية للإعلان عن العاصمة الإدارية الجديدة خلال الفترة المقبلة"، مشيراً إلى أن "الموقع المحدد للمشروع سيكون جنوب بغداد باتجاه منطقة علوة الرشيد وضمن مساحة كبيرة".
وأوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة الإعمار والإسكان نبيل الصفار أن مقترح إنشاء مجمع إداري موحد للوزارات ما زال قيد الدراسة، مع الإشارة إلى وجود خطة بديلة تركز حالياً على إنشاء مدن سكنية حضرية.
وأشار الصفار إلى أن "المقترح الحالي يتضمن تخصيص 50 دونماً لكل وزارة لإنشاء مبانٍ خاصة بها ضمن مدينة النهروان"، لكنه أضاف أن "الأولوية الحالية هي لإنشاء المدن السكنية، التي ستضم جميع المرافق الحكومية والخدمية".
وتشمل هذه المدن الجديدة حسب التصريح، مرافق تعليمية من مدارس وجامعات، ومنشآت صحية، وهي مستشفيات ومراكز طبية، إضافة الى بنية تحتية متكاملة، ومساحات خضراء ومرافق ترفيهية.
وأوضح المتحدث الرسمي أن "نقل الوزارات خارج بغداد يتطلب تخصيصات مالية كبيرة"، مشيراً إلى أن "التحول الكامل للمؤسسات الحكومية قد يتم لاحقاً بعد اكتمال إنشاء هذه المدن العصرية".
من جانبه، أكد مستشار وزارة البيئة الدكتور عمار العطا، أن مشروع إقامة مجمع إداري موحد للوزارات سيحقق جملة من الفوائد المتعددة، تشمل الجوانب الإدارية والاقتصادية والبيئية، فضلًا عن تعزيز الجانب الأمني، مشيرًا إلى أن العديد من الدول العربية والعالمية اعتمدت هذا النموذج لما له من أثر ملموس في رفع كفاءة الأداء الحكومي.
وقال العطا إن "تجميع الدوائر الوزارية في موقع واحد يسهّل التنسيق بين الجهات الحكومية، ويقلل من البيروقراطية، ويوفر الوقت والجهد على المواطنين، من خلال تقليص الحاجة إلى التنقل بين أماكن متفرقة لمراجعة الدوائر المختلفة"، مضيفا أن "هذه الخطوة ستعزز الحوكمة والرقابة الإدارية، من خلال إنهاء تشتيت مواقع العمل وتوحيد الجهود تحت مظلة إدارية واحدة".
وأشار إلى أن المجمع الموحد سيحقق وفورات مالية كبيرة، تتمثل في تقليص تكاليف الإيجارات، والصيانة، وخدمات الأمن والنقل، مؤكدًا أن وجود منظومة أمنية مركزية وسيطرة واحدة سيسهم في تعزيز الاستقرار وضبط الأداء.
ولفت مستشار وزارة البيئة إلى جانب آخر بالغ الأهمية، يتمثل في البُعد البيئي للمشروع، موضحًا أن "المجمع سيُشيَّد وفق معايير الأبنية الحديثة، بما يضمن تحسين كفاءة استهلاك الطاقة وإدارة المياه والنفايات"، مبينًا أن التجارب العالمية في هذا المجال عديدة، مثل المدينة الإدارية في مصر، ومجمع الوزارات في الرياض، وكذلك نماذج مماثلة في ماليزيا وألمانيا.
وشدّد العطا على أهمية دمج الاعتبارات البيئية في مرحلة التخطيط، والالتزام بالمعايير الدولية المعتمدة في الأبنية، مثل معيار "LEED" الأميركي و"BREEAM" البريطاني، داعيًا إلى اعتماد النقل الجماعي كجزء من الحلول الذكية، من خلال توفير خطوط نقل سريعة ومباشرة تربط المجمع الإداري الجديد بالمناطق الحيوية، بما يسهل الوصول إليه ويقلل من البصمة الكربونية.