أزمة الموازنة تهدد الاستقرار المالي في العراق.. الاتهامات تتصاعد بين الحكومة والبرلمان!
المحكمة الاتحادية على "حافة الانهيار".. هل يدخل العراق نفق الفراغ الدستوري قبل الانتخابات؟
تعطيل الرواتب يفتح أبواب القلق.. الحشد الشعبي بين الإهمال الحكومي و "التدخل الخارجي"
"خسائر موجعة".. إسرائيل تُنهي الحرب بأكبر فاتورة عسكرية في تاريخها الحديث
تأخر الموازنة "يربك" الاقتصاد العراقي.. الأسعار تلتهب والرواتب في دائرة الخطر
تقف بغداد اليوم على أعتاب أزمة دستورية غير مسبوقة، تهدد بتعطيل أهم مفصل قضائي في البلاد مع اقتراب موعد الانتخابات، استقالات جماعية داخل المحكمة الاتحادية، وصراع محتدم بين السلطات، يعيدان الجدل حول استقلال القضاء، ويثيران مخاوف واسعة من تأجيل الاستحقاق الانتخابي أو الطعن بشرعيته.
وتمرّ المحكمة الاتحادية العليا في العراق بمرحلة عصيبة لم تشهدها منذ تأسيسها عام 2005، بعد استقالة جماعية هزّت بنيتها، شملت ستة من أعضائها الأساسيين وثلاثة من القضاة الاحتياط، ما أدخل البلاد في دوامة قانونية معقدة.
الرئيس في قفص الاتهام
الاستقالات جاءت وسط اتهامات صريحة لرئيس المحكمة، القاضي جاسم العميري (61 عامًا)، بالتفرد في اتخاذ القرارات وتجاوز صلاحياته، إلى جانب شبهات بميوله السياسية ومحاباته لأحزاب نافذة، بحسب ما كشفته مصادر مطلعة على تفاصيل ما يجري داخل أروقة القضاء.
الأزمة تصاعدت بشكل حاد بعد تسريب وثيقة موجهة من العميري إلى رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، يدعوه فيها لعقد اجتماع سياسي للتدخل في الخلاف الدائر بين المحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز العليا، التي رفضت في وقت سابق عدداً من قرارات "الاتحادية" واعتبرتها خارج نطاق اختصاصها.
السلطات ترفض التدخل
رئيس مجلس النواب رفض رسمياً هذا الطلب، معتبراً أن أي تدخل سياسي في عمل القضاء يمثل خرقاً لمبدأ الفصل بين السلطات. الموقف نفسه تبنّته رئاسة الجمهورية، التي أصدرت وثيقة تؤكد أن مقترح العميري "مرفوض بشكل قاطع"، وتعدّه انتهاكاً واضحاً للدستور العراقي.
وفي ظل هذا الضغط المتزايد، تواردت أنباء متضاربة عن تقديم العميري استقالته أو طلبه الإحالة إلى التقاعد، دون صدور بيان رسمي حتى الآن، فيما تؤكد مصادر مقربة أن ما تم تداوله في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي "صحيح من حيث المضمون، حتى وإن لم يُعلن رسمياً".
مخاوف تتصاعد
غياب المحكمة الاتحادية عن أداء دورها الدستوري لا يُعد أزمة عابرة، بل قد يؤدي إلى شلل دستوري شامل، خاصة وأن المحكمة هي الجهة الوحيدة المخوّلة بالمصادقة على نتائج الانتخابات والنظر في الطعون والتشريعات. ومع اقتراب موعد الانتخابات المحدد في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تُثار تساؤلات جادة عن إمكانية إجرائها دون وجود محكمة فاعلة.
النائب محمد عنوز، عضو اللجنة القانونية في البرلمان، وصف ما يجري بأنه "مؤشر خطير على هشاشة النظام السياسي العراقي"، مضيفًا أن "اضطراب الجسم القضائي قد يطيح بشرعية الانتخابات ويعرقل مسار الدولة".
ثغرات قانونية تعقّد الأزمة
قانون المحكمة الاتحادية رقم 30 لسنة 2005 لا ينظم مسألة استقالة القضاة أو رئيس المحكمة، بل يكتفي بتحديد سن التقاعد الإلزامي عند 72 سنة. كما أن عدد القضاة الاحتياط المحدد في القانون لا يتجاوز أربعة، وهو أقل من عدد المستقيلين حالياً، ما يجعل مسألة تعويضهم فوراً أمراً بالغ الصعوبة.
ويرى مراقبون أن هناك أطرافاً سياسية قد تستغل هذه الأزمة لتبرير تأجيل الانتخابات، بدعوى عدم توفر البيئة القانونية والدستورية المناسبة. محيي الأنصاري، رئيس مركز الرشيد للتنمية، قال إن هذه الأزمة "قد تُستخدم كذريعة لتأجيل الموعد، أو تمرير تعديلات دستورية مؤقتة تتطلب وقتاً أطول".
لكنه استدرك قائلاً: "إذا ما تم تحييد التدخلات السياسية وأُعيد احترام استقلالية القضاء، فالأزمة لن تستمر أكثر من شهر".
تدخل سياسي
ويرى محللون أن المحكمة الاتحادية لم تعد تكتفي بتفسير الدستور، بل أصبحت جزءاً من المعادلة السياسية، بل وتنتج قرارات تُفسر وكأنها شرعيات بديلة للانتخابات. هذا الانزلاق، وفق الأنصاري، "جعل المحكمة تتعامل بنديّة مع الحكومة والبرلمان، وتحولت من حكم محايد إلى لاعب مؤثر، بل متأثر بضغوط داخلية وخارجية، مما أفقد بعض قضاتها الإحساس بجدوى بقائهم داخلها".
وأنشئت المحكمة الاتحادية كضامن دستوري في عراق ما بعد 2003، لكن أزمتها الحالية قد تمثل اللحظة الأخطر في تاريخها. في ظل غياب الإرادة السياسية لحمايتها من التدخلات، وتفاقم النزاع داخلها، يقف العراق اليوم أمام مفترق طرق: إما إنقاذ المؤسسة القضائية عبر إصلاحات جذرية وشفافة، أو الدخول في فراغ دستوري قد تكون له تداعيات عميقة على مستقبل العملية الديمقراطية برمّتها.