التسول في العراق.. تجارة رابحة لـ "المافيات" وظاهرة خطيرة "تفتك" بالمجتمع
من الماضي إلى داعش.. مقابر تكشف جريمة واحدة ودعوات لتدويلها
المفوضية تشهر مقصلتها.. قتلة وسرّاق خارج سباق البرلمان
قائمة السفراء الجدد.. "توريث" المناصب يضرب السلك الدبلوماسي
التوك توك.. من حلم الفقراء إلى كابوس المدن العراقية
في مؤشر على تنامي ظاهرة التسول في العراق، كشف المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان عن استقدام متسولين من دول عربية وأجنبية للبلاد، لتحقيق إيرادات مالية، وسط تحذيرات من مخاطر تفشي هذه الظاهرة وتأثيراتها السلبية على المجتمع.
إلا أن الجهود الأمنية لم تحجم الظاهرة، التي تأخذ أبعاداً خطيرة، وفقاً لرئيس المركز حازم الرديني، الذي أكد أن "ظاهرة التسول زادت بشكل كبير، حيث هناك آلاف الأشخاص يتسولون في بغداد، كما أن أكبر عدد منهم يعيشون في بغداد"، مؤكدا أن "بعض المافيات تقوم باستقدام الأشخاص من دول عربية وأجنبية إلى العراق لغرض التسول".
وأضاف الرديني، أن "معظم المتسولين لا يعانون من أية مشاكل، ويمارسون التسول كتجارة ومهنة"، مبيناً أن "المتسولين يرفضون أي فرصة عمل، لأنهم يحصلون على مبلغ مليوني دينار عراقي شهرياً (نحو 1400 دولار)"، مشدداً على "ضرورة أن تتخذ وزارة الداخلية الإجراءات اللازمة إزاء هذه الظاهرة، وأن تلقي القبض على المتسولين بشكل يومي، لأن التهديد الذي يشكلونه لا يقل عن التهديد الذي تشكله الجرائم الأخرى".
وظاهرة التسول تنتشر في العراق بسبب الفقر والبطالة والحروب والنزوح والأزمات الأمنية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد، كما أنها تفتح المجال للنصب والاحتيال والاتجار بالبشر من خلال استغلال مشاعر التعاطف لدى المواطنين.
ويُعَد التسوّل في بغداد والمحافظات الأخرى مقلقاً بالنسبة للأجهزة الأمنية، في ظلّ ارتفاع أعداد المتسوّلين من أعمار مختلفة ومن كلا الجنسَين، ومن جنسيات مختلفة، فيما تواصلت عمليات اعتقال عشرات منهم في فترات سابقة.
وعلى الرغم من تنفيذ السلطات الأمنية حملات ملاحقة واعتقالات مستمرة طالت عشرات المتسوّلين المنتشرين في شوارع العاصمة بغداد وعند تقاطعاتها وفي المدن الأخرى، فإنّ الظاهرة آخذة في الاتّساع في عموم البلاد.
من جهتها أشرت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، اتساعا بظاهرة عمالة الأطفال واستغلالهم بالتسول خلال الأعوام الأخيرة، وعدم التزام أصحاب العمل بالقانون في تشغيل الفئات العمرية المسموحة في بعض الأعمال التي لا تناسب الأعمار دون 15 عاما.
وقال المتحدث باسم الوزارة نجم العقابي في تصريحات صحفية تابعها "سنترال"، إن "الأعوام المنصرمة شهدت تأشير اللجان التفتيشية بالوزارة ارتفاعا بمعدلات عمالة الأطفال واستغلالهم بالتسول نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وانخفاض دخل الأسرة وزيادة معدلات البطالة، والصراعات التي عاشها العراق، وكذلك النزوح وارتفاع معدلات العنف الأسري ضد الأطفال، وضعف منظومة التشريعات القانونية وستراتيجيات حماية حقوق الطفل".
وأضاف العقابي، أن "هذه الظروف دفعت الوزارة لاتخاذ إجراءات عدة، تمثلت بتقديم المنح الدراسية للتلاميذ لغرض منع حالات التسرب وإجبار الأطفال على النزول إلى الشارع والعمل أو التسول، فضلا عن شمولهم بالضمان الصحي بما يحقق تقديم خدمات صحية مجانية للأسر الفقيرة".
الخبير بالشأن العراقي أحمد الشيخلي، قال إن "ظاهرة التسول باتت مصدر إزعاج كبير للأسر العراقية في الحدائق العامة وتقاطعات الطرق وحتى الأسواق والمجمعات التجارية، وقسم منهم يحرجون المواطنين خاصة العائلات والنساء ويلتصقون بالسيارات والأشخاص، وفي بعض الأحيان حين يعطونهم وحدات نقدية من فئات بسيطة يرمونها على صاحبها ويسمعونه شتائم".
وأضاف أن "المشكلة باتت تستدعي تدخلا أمنياً، إذ إن عدد المتسولين المرتبطين بشبكات أو جماعات توزعهم على مناطق بغداد كبير، وهو يؤكد بالضرورة أن عملهم منظم ولصالح جهات خارجة عن القانون". معتبرا أن "المتسولين حرموا شريحة أخرى وكبيرة من المواطنين المحتاجين من تقديم المساعدة لهم كنوع من التكافل في مثل هذه الظروف".
وتسبّبت الظروف التي يواجهها العراق في العقدين الماضيين، بعد الغزو الأميركي للبلاد، في تزايد الفقر والبطالة، الأمر الذي أدّى إلى تضاعف عدد المتسولين من الشباب والأطفال من كلا الجنسَين بالإضافة إلى الأجانب، فيما يُستغَلّ هؤلاء أحياناً من قبل شبكات مختصّة بالتسوّل، لا سيّما في بغداد.