البرلمان يستعد للإغلاق.. رواتب النواب تخطّت 400 مليار والمشهداني يبحث عن "فتوى دينية"!
تعطّل جلسات مجلس النواب .. أزمة ثقة ومسؤولية مؤجلة تسببت بـ"شلل تشريعي"
رفع التعرفة الجمركية على السيارات.. قرار يربك السوق ويثير عاصفة جدل في البرلمان
استخبارات مضللة وحروب عبثية.. دروس قاسية للسياسة الأمريكية
بغداد بين الأرصفة والمرائب العشوائية.. فوضى الجبايات تهدد صورة العاصمة
بينما يواصل الشارع العراقي متابعة ما يجري تحت قبة البرلمان، يترسخ الانطباع بأن الدورة الخامسة لمجلس النواب هي "الأضعف" منذ 2003، فالمؤسسة التشريعية التي يُفترض أن تكون المحرك الرئيس للقوانين والرقابة على الأداء الحكومي، دخلت في حالة جمود غير مسبوقة، وسط عجز عن عقد الجلسات وفشل متكرر في إكمال النصاب القانوني، مقابل استمرار تدفق الرواتب والمخصصات الضخمة للنواب، والتي تجاوزت حتى الآن أكثر من 400 مليار دينار.
جلسات مشلولة ونصابات غائبة
الأسبوع الماضي كان شاهداً جديداً على الأزمة، حيث فشل البرلمان مرتين متتاليتين في عقد جلساته، ما دفع رئاسة المجلس إلى إصدار بيان تذكيري وصفت فيه حضور النواب بـ"الواجب الوطني الذي لا يقبل التأجيل". لكن رغم هذا التحذير، لم يتجاوز الحضور الفعلي 50 نائباً من أصل 329، فيما وقع 130 نائباً على قوائم الحضور من دون أن يدخلوا إلى القاعة.
النائب المستقل ياسر الحسيني كشف أن الخلافات السياسية على قوانين حيوية، منها ما يتعلق بالاستثمارات السعودية، كانت وراء التعطيل، مؤكداً أن غالبية النواب باتوا منشغلين بالتحضير للانتخابات المقبلة المقررة في 11 تشرين الثاني.
رواتب كاملة دون اقتطاع
ورغم فرض غرامات تصل إلى مليون دينار على النائب المتغيب عن الجلسة الواحدة، إلا أن الكثير من الأعضاء وجدوا حيلة للالتفاف على العقوبة، من خلال البقاء في "كافتيريا البرلمان" من دون الدخول إلى القاعة. وبهذا الشكل تُحتسب أسماؤهم حاضرة، فيتجنبون أي استقطاع من رواتبهم.
النائب محمد الزيادي من كتلة "منتصرون" دافع عن هذا السلوك قائلاً: "نحن لسنا طلاب مدرسة.. المقاطعة وسيلة للتعبير عن الرأي"، في إشارة إلى رفض بعض النواب إلزامهم بالحضور القسري.
فتوى برلمانية!
المفارقة أن رئيس البرلمان محمود المشهداني كان قد صرّح مطلع هذا العام بأنه يبحث عن "فتوى دينية" من مرجعية النجف بشأن إلزام النواب بحضور الجلسات، معتبراً الدورة الحالية "الأسوأ" منذ بدء التجربة الديمقراطية في العراق.
لكن محاولاته لم توقف موجة الغياب، ولم تمنع الخلافات الداخلية حتى داخل هيئة الرئاسة نفسها، حيث تبرز التباينات مع نائبيه محسن المندلاوي وشاخوان عبد الله، فضلاً عن الخلافات داخل القوى السنية التي دفعت بعض رؤساء الكتل إلى "المقاطعة المتعمدة".
مليارات بلا إنتاج
تؤكد الأرقام أن النائب الواحد يتقاضى ما يقارب 27 مليون دينار شهرياً تشمل الراتب والمخصصات، ليصل مجموع ما يحصل عليه النواب سنوياً إلى أكثر من 426 مليار دينار. وفي المقابل، لم يعقد المجلس منذ بداية ولايته في 9 كانون الثاني 2022 سوى 149 جلسة من أصل 265 جلسة مقررة، ما يعني أن البرلمان عطّل عملياً أكثر من 14 شهراً كاملاً.
الباحث السياسي غالب الدعمي شبّه وضع المجلس الحالي بمرحلة "السبات الشتوي"، مؤكداً أن غالبية النواب غادروا بغداد وانشغلوا بحملاتهم الانتخابية، متوقعاً أن يكون أيلول الجاري بمثابة "الأيام الأخيرة للبرلمان".
أما الأكاديمي زياد العرار، فأشار إلى أن الأزمة أعمق من مجرد تغيب نواب، إذ ترتبط بخلافات سياسية وشخصية بين رؤساء الكتل، وبانعدام الثقة بين قادة المشهد السياسي، مضيفاً أن انتخاب المشهداني نفسه في نهاية 2024 كان نتيجة صفقات لا تعكس توافقاً حقيقياً، بل "رد جميل" لبعض الأطراف.
دستورياً، من المفترض أن تستمر ولاية البرلمان حتى 8 كانون الثاني 2026. لكن مع تعطل العمل التشريعي، واستمرار الانقسامات، يتصاعد الحديث عن احتمال إغلاق مبكر للمجلس الحالي قبل موعده الرسمي، ليكون شاهداً على واحدة من أكثر الدورات التشريعية جدلاً في تاريخ العراق الحديث.