موازين جديدة في الشرق الأوسط.. المقاومة تفرض معادلتها والاحتلال يبحث عن مخرج مشرّف
بين الفتور التشريعي والنهوض البرلماني.. ماذا أنجزت الدورة النيابية الخامسة؟
العدل تعلن إطلاق سراح ١١٢ حدثاً خلال أيلول الماضي
العدل تعلن إطلاق سراح ١١٢ حدثاً خلال أيلول الماضي
ضمن الصفقة.. حماس تطالب بالإفراج عن جثتي يحيى ومحمد السنوار
تشهد المنطقة في الأسابيع الأخيرة حراكاً سياسياً وأمنياً متسارعاً يعيد رسم ملامح المشهد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تشير التطورات إلى أن ملف المفاوضات بين حركة حماس والكيان الصهيوني بدأ يأخذ منحى عملياً بعد تبادل قوائم الأسرى والمحتجزين، في خطوة وُصفت بأنها الأهم منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة.
وبحسب مصادر سياسية مطلعة، فإن القبول الإسرائيلي بمبدأ التفاوض وتبادل الأسرى يشكّل تحولاً نوعياً، بعدما كانت الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، ترفض طيلة الأشهر الماضية أي حديث عن هدنة أو تبادل قبل “إنهاء وجود حماس”، غير أن صمود المقاومة في وجه آلة الحرب، والعمليات الميدانية التي أربكت المؤسسة العسكرية الصهيونية، دفعت تل أبيب إلى مراجعة حساباتها الداخلية، وسط تصاعد الأصوات المنادية داخل الكيان بضرورة التوصل إلى تسوية تحفظ ماء الوجه وتعيد الأسرى إلى ذويهم.
من الجهة المقابلة، تتعامل المقاومة الإسلامية مع المفاوضات من موقع الثبات لا الضعف، إذ تؤكد قياداتها أن الدخول في أي تفاوض لا يعني التنازل عن الثوابت أو الخضوع للضغوط الغربية والصهيونية، بل هو خطوة تكتيكية تهدف إلى حماية الشعب الفلسطيني وتحقيق إنجازات إنسانية وسياسية بعد حرب وُصفت بأنها الأكثر شراسة منذ عقود.
وتؤكد البيانات الصادرة عن حماس والجهاد الإسلامي أن المقاومة خرجت من هذه المعركة وقد أثبتت قدرتها على الصمود، بل وفرضت على العدو شروط التعامل، بعدما فشل في تحقيق أهدافه المعلنة وأُجبر على قبول الحلول السياسية.
هذا التحول لم يقتصر على الساحة الفلسطينية وحدها، بل امتدت أصداؤه إلى جبهات المنطقة كافة، حيث تزامنت تطورات غزة مع نشاط ملحوظ لجبهات المقاومة في لبنان واليمن والعراق.
فقد كثّفت القوى المتحالفة ضمن “محور المقاومة” حضورها الإعلامي والعسكري المتزن، في رسالة تؤكد وحدة الموقف وتماسك الصف أمام التحديات الإسرائيلية والأميركية. ويُجمع المراقبون على أن هذا التلاحم بين الجبهات لم يكن مجرد تنسيق ميداني، بل تحول إلى رؤية استراتيجية موحّدة ترى في مواجهة الكيان الصهيوني مشروعاً جامعاً للعناصر الفاعلة في المنطقة.
في لبنان، يواصل حزب الله تثبيت معادلة الردع مع العدو، ويعلن تضامنه الكامل مع الشعب الفلسطيني ومقاومته، فيما تشهد الساحة اليمنية استمراراً في المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية على المستويين السياسي والإعلامي، بينما في العراق تُعبّر فصائل المقاومة عن موقف منسجم مع ما يجري في غزة، مؤكدة أن المعركة واحدة وإن تعددت الساحات، هذا التلاحم الإقليمي، بحسب محللين، أربك الحسابات الإسرائيلية، التي وجدت نفسها أمام جبهة متماسكة لا يمكن مواجهتها بوسائل الضغط التقليدية.
وعلى المستوى الفكري والسياسي، برزت تصريحات المرشد الأعلى في إيران السيد علي الخامنئي، التي تناول فيها حتمية هزيمة الكيان الصهيوني في ضوء الوقائع الميدانية والسياسية الأخيرة. فقد أكد أن الأحداث الجارية أثبتت صواب الرؤية التي طالما تبناها، والقائمة على أن المقاومة، مهما اشتدت عليها الضغوط، قادرة على قلب الموازين وتحويل العدوان إلى فرصة لإعادة الثقة بالقدرات الذاتية للشعوب.
ويُنظر إلى الموقف الإيراني بوصفه جزءاً من قراءة أشمل ترى أن الصراع في فلسطين لم يعد محصوراً بحدود جغرافية ضيقة، بل بات عنواناً لمعادلة جديدة تتجاوز الانقسام السياسي والاصطفافات القديمة.
ويؤكد مراقبون أن التطورات الراهنة تُثبت أن العدو الصهيوني لم يتمكن من مقارعة خط المقاومة في المنطقة، لا سياسياً ولا عسكرياً، وأن سياسة الاستنزاف الطويلة التي اتبعها فشلت في تفكيك الجبهات أو إضعاف إرادة الصمود، كما أن الانقسام المتعمّق داخل المؤسسة الإسرائيلية، خاصة بين التيار المتشدد والقيادات الأمنية والعسكرية السابقة، يشير إلى أزمة ثقة داخلية تهدد تماسك الحكومة وتضع مستقبلها السياسي على المحك.
ومع دخول المفاوضات مرحلة حساسة، تبدو موازين القوى في المنطقة أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فالمقاومة رغم الخسائر الفادحة التي لحقت بالشعب الفلسطيني، استطاعت أن تفرض وجودها كرقم صعب في أي معادلة قادمة، فيما تحاول إسرائيل، تحت ضغط الرأي العام الداخلي، أن تجد مخرجاً سياسياً من حرب أنهكتها ميدانياً وأخلاقياً.
وبين هذين المسارين، تبقى المنطقة أمام لحظة فارقة قد تُفضي إلى اتفاق محدود لتبادل الأسرى ووقف النار، لكنها بالتأكيد كشفت عن تغيّر عميق في موازين الردع والإرادة، حيث لم تعد لغة الإملاء هي السائدة، بل منطق التوازن والمواجهة المفتوحة على احتمالات متعددة.