تراجع تربية النحل في العراق.. تحديات بيئية واقتصادية تهدد استمرارية المهنة

18:02, 31/03/2025
1 216

تشهد تربية النحل في العراق تراجعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، نتيجةً لعوامل بيئية واقتصادية مختلفة، ما دفع العديد من النحالين إلى التخلي عن المهنة أو الانتقال إلى مناطق أكثر ملاءمة، لا سيما في شمال البلاد. 


وتشير بيانات وزارة الزراعة إلى أن الإنتاج السنوي للعسل بلغ 850 طنًا خلال العام الماضي، وهو انخفاض حاد مقارنةً بالكميات التي كانت تُنتج سابقًا، حيث وصل الإنتاج في بعض السنوات إلى سبعة آلاف طن. كما تراجع عدد النحالين إلى نحو ستة آلاف شخص فقط.

قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل


أسباب التراجع


رغم أن العراق كان يُعد من الدول الرائدة في صناعة العسل وتربية النحل، إلا أن هذا القطاع يواجه تهديدات كبيرة. ويرى الخبراء أن التغيرات المناخية تلعب دورًا رئيسيًا في انخفاض أعداد النحل وإنتاج العسل.


ويؤكد الخبير البيئي صالح الشمري أن ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار خلال العقد الأخير تسببا في تدهور الغطاء النباتي، وهو المصدر الأساسي لرحيق الأزهار. هذا التغير أثر على أعداد خلايا النحل وصعّب من بقائها. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستخدام المفرط للمبيدات الزراعية أدى إلى نفوق أعداد كبيرة من النحل، ما ساهم في انخفاض الإنتاج بشكل كبير.


أما الخبير البيئي أحمد حسن، فيؤكد أن للنحل دورًا حيويًا في التوازن البيئي، حيث يسهم في تلقيح النباتات وزيادة الإنتاج الزراعي. ويشير إلى أن تراجع أعداد المناحل انعكس بشكل مباشر على الإنتاج الزراعي، خاصة المحاصيل التي تعتمد على التلقيح الطبيعي، مثل الفواكه والخضروات. ويرى أن دعم النحالين وتقديم حوافز اقتصادية لهم أصبح أمرًا ضروريًا للحفاظ على البيئة وتعزيز الزراعة المستدامة.


تحديات اقتصادية وغياب الدعم الحكومي


يبلغ متوسط إنتاج الخلية الواحدة بين 20 و30 كغم، وهو معدل منخفض مقارنةً بالمعدلات العالمية، وفقًا للخبير الزراعي عباس الدهلكي. ويشير إلى أن تراجع إنتاج العسل أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج مقابل الأرباح القليلة التي يجنيها النحالون، مما دفع كثيرين إلى ترك المهنة. ويؤكد أن النحالين يعتمدون على جهودهم الذاتية في مواجهة هذه التحديات، في ظل غياب الدعم الحكومي وقلة الحوافز الاقتصادية.


هجرة النحالين بحثًا عن بيئة مناسبة


يواجه النحالون تحديات كبيرة في الحفاظ على نشاطهم، ما اضطر بعضهم إلى ترك المهنة أو البحث عن بدائل. ويقول النحال معاذ يوسف (43 عامًا)، إنه قضى أغلب حياته في تربية النحل، لكنه اضطر إلى مغادرة مسقط رأسه في الأنبار والانتقال إلى السليمانية للحفاظ على منحله.


ويضيف: “في السابق، كنا نربي النحل في قرانا التي كانت مليئة بالأشجار المثمرة والمحاصيل الموسمية، مما وفر لنا بيئة مناسبة لإنتاج أنواع مختلفة من العسل. أما اليوم، فقد أصبحنا نبحث عن مناطق دائمة الخضرة أو ذات زراعة مستمرة، ولهذا انتقل الكثير من النحالين، بمن فيهم أنا، إلى الشمال، حيث تتوفر بيئات أكثر استقرارًا في السليمانية وأربيل ودهوك والموصل”.


ممارسات خاطئة ومخاطر على جودة العسل


ينتقد يوسف بعض النحالين الذين يصرون على البقاء في مناطق لم تعد مناسبة لتربية النحل، ويلجؤون إلى التغذية الصناعية لتعويض نقص المراعي الطبيعية، وهو ما يضر بصحة النحل وجودة العسل. كما يشير إلى أن تلوث الأجواء جعل الحفاظ على سلالات النحل أمرًا صعبًا، ما دفع المربين إلى البحث عن بيئات أنظف، مثل المناطق الصحراوية والشمالية، لإجراء عمليات تلقيح الملكات.


ويؤكد أن أسعار العسل الطبيعي تتراوح بين 50 و100 ألف دينار عراقي (38 إلى 76 دولارًا)، وفقًا لنوعية الأزهار التي يتغذى عليها النحل، مشيرًا إلى أن هذه الأسعار مناسبة للنحالين. لكنه أعرب عن استغرابه من وجود عسل في الأسواق بأسعار تتراوح بين 5 آلاف و20 ألف دينار (3.8 إلى 15 دولارًا)، معتبرًا أن ذلك يثير الشكوك حول جودة المنتج ومكوناته.


أصبح الحفاظ على تربية النحل في العراق تحديًا حقيقيًا في ظل الأوضاع البيئية والاقتصادية الصعبة. ويرى الخبراء أن دعم النحالين، وتشجيع المواطنين على الاستثمار في هذا القطاع، من خلال تقديم حوافز حكومية، أمر ضروري لضمان استمرارية المهنة، وتعزيز دور النحل في حماية البيئة والزراعة المستدامة.