مكتب السوداني يعلن عن التوصيات الخاصة بالشباب العاملين في خدمة التوصيل
يمتلك العجلات الفارهة والاستثمارات الرنانة.. من هو عراب عودة "رافع الرفاعي"؟
الزراعة تعلن تشكيل لجانًا بيطرية لمراقبة محال بيع اللحوم والمجازر في المحافظات
صوتك اليوم مفتاح غداً.. لماذا تكتسب المشاركة في الانتخابات أهمية تاريخية؟
لم تمرّ تصريحات خميس الخنجر، زعيم "تحالف السيادة"، مرور الكرام بعدما وصف المكوّن الشيعي في العراق بـ"الغوغائيين"، بل فجّرت عاصفة سياسية وقانونية وشعبية واسعة، وصلت إلى أروقة المحاكم حيث أعلن عدد من النواب والمحامين رفع دعاوى قضائية ضده بتهمة التحريض الطائفي والإساءة المباشرة للسلم الأهلي، ويأتي هذا التصعيد وسط أجواء سياسية متوترة أصلاً، ما يجعل الملف مفتوحاً على تداعيات أخطر في المرحلة المقبلة.
الغضب لم يبقَ محصوراً في الإعلام والشارع، بل ترجم إلى خطوات عملية على الأرض، إذ أعلن عدد من النواب من كتل مختلفة تقديم شكاوى رسمية ضد الخنجر، مؤكدين أن البرلمان نفسه سيكون طرفاً مدافعاً عن كرامة الشعب العراقي ووحدته الوطنية.
وفي موازاة ذلك، شكّل محامون فريقاً قانونياً لمتابعة الدعوى أمام القضاء، مستندين إلى المادة 372 من قانون العقوبات العراقي، التي تجرّم أي فعل أو تصريح يتضمن إثارة النعرات المذهبية أو التحريض الطائفي أو إهانة المكونات المجتمعية، وبذلك يجد الخنجر نفسه اليوم في مواجهة مع مؤسسات الدولة، وليس فقط مع الشارع الغاضب.
دستورية المواجهة
ويرى خبراء القانون أن الدعوى المرفوعة ضد الخنجر تستند إلى نصوص صريحة في الدستور العراقي الذي يحرّم خطاب الكراهية ويُلزم الدولة بحماية التنوع وضمان السلم المجتمعي، وأشار مختصون إلى أن هذه القضية يمكن أن تشكّل سابقة قضائية مهمة إذا مضت المحاكم فيها بجدية، لتكون رسالة واضحة بأن العراق الجديد لن يسمح بتكرار أخطاء الماضي ولن يتهاون مع من يحاول تمزيق النسيج الوطني.
سقوط سياسي وتصدّع اجتماعي
المراقبون يقرأون المشهد من عدة زوايا مترابطة، إذ يرون أن الخنجر قد ارتكب خطأً استراتيجياً فادحاً سيدفع ثمنه سياسياً واجتماعياً وقانونياً على حد سواء. فمن الناحية السياسية، بات واضحاً أن تصريحاته أحرجت حتى حلفاءه ووضعتهم في موقف لا يُحسدون عليه، بعدما تحوّل من زعيم كتلة إلى خصم مباشر لأغلبية الشارع العراقي، وهو ما قد يضعف موقعه التفاوضي ويهدد مستقبله في التحالفات المقبلة.
ومن الناحية الاجتماعية، فإن خطابه لم يقتصر على الإساءة إلى مكوّن بعينه، بل فتح جروحاً عميقة في ذاكرة العراقيين الذين دفعوا أثماناً باهظة بسبب الطائفية، وهو ما يجعل استعادة الثقة أصعب بكثير بعد هذه الإهانة الصريحة.
أما على المستوى القانوني، فإن تحريك الدعاوى ضده لا يُعد حدثاً عابراً، بل يمثل لحظة فارقة قد تؤسس لمرحلة جديدة من الردع ضد أي خطاب سياسي يتجاوز الحدود المسموح بها، خصوصاً إذا قررت المحاكم المضي بخطوات فعلية تتجاوز حدود التنديد الإعلامي إلى العقوبة القضائية. وبذلك، يمكن القول إن الخنجر جمع الخصوم ضده من مختلف الاتجاهات، وأعطى دافعاً إضافياً لتوحيد القوى الوطنية في مواجهته.
رفض الفتنة
على الأرض، لم يخفَ الشارع العراقي غضبه الشديد، حيث تواصلت الدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمحاكمة الخنجر علناً واعتبار تصريحه جريمة طائفية تمسّ الكيان الوطني بأكمله. كثير من الناشطين اعتبروا أن التساهل معه يعني فتح الباب أمام شخصيات أخرى لتكرار الخطاب ذاته، ما يجعل الحزم القانوني هذه المرة ضرورة وطنية وليست مجرد إجراء قضائي عابر.
ولم تعد القضية محصورة في تصريح مثير للجدل، بل تحولت إلى ملف قانوني وسياسي واجتماعي واسع يحمل في طياته أسئلة كبرى حول مستقبل الخطاب العام في العراق. فالمجتمع الغاضب يطالب بالردع، والبرلمان دخل على خط المواجهة، والقضاء أمام اختبار تاريخي في تطبيق الدستور والقانون على الجميع من دون استثناء، ليبقى مسار الدعاوى القضائية ضد خميس الخنجر مؤشراً حاسماً على مدى قدرة الدولة العراقية على حماية السلم الأهلي وإيقاف أي محاولة لبعث الطائفية من جديد.