بين الغياب والدعاية.. البرلمان في "سبات" والولاء الحزبي يطغى على صوت الشعب

أمس, 18:24
1 036

مع اقتراب موسم الانتخابات، يبدو أن قبة البرلمان دخلت في عطلة غير معلنة، بعدما تحولت مقاعد النواب إلى رموز للغياب أكثر من كونها منصات للتمثيل الشعبي، ففي وقتٍ كان يُفترض فيه أن تتصدر مناقشات الأزمات المعيشية والاقتصادية جدول أعمال مجلس النواب، انشغل العديد من ممثلي الشعب في التحضير لحملاتهم الانتخابية المقبلة، تاركين خلفهم قاعة شبه فارغة وملفات معلّقة تنتظر من يتولاها.


لم يعد الغياب حالة استثنائية، بل صار مشهداً متكرراً يثير تساؤلات حول جدّية المؤسسة التشريعية.

قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل



موظف في مجلس النواب – فضّل عدم الكشف عن اسمه – أكد أن "الغياب أصبح ظاهرة ممنهجة، وأن بعض النواب يتعاملون مع حضور الجلسات كخيار شخصي لا كواجب وطني"، مشيراً إلى أن "هناك أسماء لم تُرَ في القاعة منذ أشهر، لكنها ما زالت تتقاضى مخصصاتها كاملة دون مساءلة".


ورغم وضوح المواد القانونية التي تنص على خصم مليون ونصف المليون دينار عن كل جلسة غياب غير مبررة، فضلاً عن فصل النائب الذي يتغيب عن خمس جلسات متتالية دون عذر مشروع، إلا أن هذه الإجراءات بقيت حبراً على ورق.

النائب محمد عنوز من اللجنة القانونية أوضح أن النظام الداخلي يفرض عقوبات واضحة، لكن “غياب الإرادة في التنفيذ” جعلها بلا أثر فعلي.


الأحزاب تحمي الغائبين


ويرى مراقبون أن المشكلة أعمق من مجرد غياب أفراد، إذ ترتبط بـ"شبكة الولاءات الحزبية" التي تحمي النواب من المساءلة.


يقول أحد المحللين السياسيين إن "النواب يدركون أن انتماءهم الحزبي يوفر لهم الحصانة الفعلية"، مضيفاً: "لا أحد يجرؤ على معاقبة نائب مدعوم من كتلة كبرى، لأن الصدام مع الحزب يعني أزمة سياسية جديدة".


كما كشفت موظفة في الدائرة القانونية للمجلس أن القرارات التأديبية "تتجمد في الأدراج فور تدخل الكتل"، مشيرةً إلى أن "الأنظمة موجودة، لكن الإرادة السياسية غائبة".


انشغال مبكر بالدعاية الانتخابية


ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي المقبل، تتسع رقعة الغياب أكثر فأكثر.

نواب كثر شوهدوا في مؤتمرات عشائرية أو ندوات سياسية لحساب كتلهم، بينما تتسرب صور من قاعات الجلسات تُظهر حضوراً لا يتجاوز نصف الأعضاء.


نائب سابق وصف المشهد بأنه “عطلة انتخابية غير معلنة”، مضيفاً أن “الولاء الحزبي طغى على الالتزام النيابي، فالنواب اليوم منشغلون بتجديد ولائهم الانتخابي لا بأداء واجبهم التشريعي”.


سخرية شعبية وغضب متزايد


على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يمرّ المشهد دون تفاعل.

أحد الناشطين غرّد قائلاً: «عدد المصورين في البرلمان أكثر من عدد النواب الحاضرين»، فيما كتب آخر: «انتخبناهم ليمثلونا في البرلمان... فاختفوا في مقار أحزابهم».


هذه السخرية الشعبية تعبّر عن فقدان الثقة بالمؤسسة البرلمانية التي يفترض أن تكون صمام الأمان في النظام الديمقراطي.


دعوات للإصلاح والمساءلة


أمام هذا الواقع، تتعالى الدعوات إلى تشكيل لجنة مستقلة لمراقبة الحضور والانضباط البرلماني، وإلى نشر تقارير أسبوعية توضح علناً نسب التزام النواب.


ويرى خبراء أن "غياب المساءلة يعني غياب الديمقراطية نفسها"، مؤكدين أن الإصلاح يبدأ من تطبيق القانون على الجميع بلا استثناء، وإعادة الاعتبار للنيابة كواجب وطني لا منصب سياسي.


ويبقى السؤال الأهم: هل يتحول البرلمان إلى ساحة للعمل الوطني، أم يظل رهينة المصالح الحزبية والولاءات الانتخابية؟

ففي الوقت الذي يستعد فيه النواب لسباق الأصوات، يبقى المواطن الخاسر الأكبر أمام مشهد سياسي يغيب فيه الممثلون، ويحضر فيه الولاء الحزبي بقوة.