الاحتلال يستفز المقاومة.. كيف تتحدّى صواريخ حزب الله الهيمنة الجوية الإسرائيلية؟

21:19, 31/07/2024
363

جعلت محوريّة سلاح الجوّ في الاستراتيجية الحربيّة الإسرائيلية من أي خطر يتهدّده أولويّة أساسية ووضعته في قمّة سلم الأهداف لديها في أي مواجهة. من جهة أخرى، كان موضوع الدفاع الجويّ بمكوّناته، وحداته، تقسيماته وتقنيّاته واحدًا من أكثر التقنيات التي تخضع للسريّة في نشاط المقاومة الإسلامية في لبنان. 

منذ التسعينيات امتلكت المقاومة منظومات للدفاع الجوي محمولة على الكتف (MANPADS) من طراز "سام-7" أو "ستريلا-2" بالتسمية السوفييتية. وقد حاولت استهداف المروحيات الإسرائيلية بشكل رئيسي، مع محاولات مستمرّة باتجاه الطائرات الحربيّة الإسرائيلية. مشكلة هذه الصواريخ هي بشكل رئيسي في قدمها، فهي تملك حساسات حرارية غير مبرّدة كما المنظومات الحديثة، الأمر الذي يخفف من حساسيّتها لمصادر الحرارة، يعني لا تستطيع الإطلاق على الطائرة إلا من الخلف حيث تظهر النفاثات، فضلًا عن سهولة خداعها من الشمس. يكفي أن يتجه الطيار نحو الشمس بهذه الحالة كي يضيع الصاروخ. 


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

استمرّ تطوّر الدفاع الجوّي في المقاومة حتى العام 2006، وظهر أنه لم يخرج من إطار المنظومات المحمولة على الكتف، أو الرشاشات من عيار 23 ملم. في هذه الحرب تمّ إسقاط طائرة مروحيّة إسرائيلية من طراز يسعور (CH-53) قتل فيها 4 ضباط إسرائيليين، فيما أصيبت 3 طائرات مروحيّة أخرى ادعى الإسرائيليون أنها حوادث مختلفة. بحسب المصادر الإسرائيلية جرى إصابة طائرة اليسعور بصاروخ صيني الصنع من طراز "QW-1 Vanguard"، وهو أيضًا محمول على الكتف. 

"الفانغارد" هو صاروخ ينتمي لجيل أحدث، يملك حسّاسًا مبرّدًا، الأمر الذي يسهّل عليه تمييز الحرارة بشكل أفضل. الصواريخ الأحدث من طراز "إيغلا" أو "ميثاق 2" أو 3 الإيرانية والتي تتحدّث العديد من التقارير عن امتلاك حزب الله لها تمتلك أكثر من حسّاس، الأمر الذي يسهّل عليها التمييز بين الطائرة نفسها أو البالونات الحرارية التي تلقيها، والتي تسمّى بالشراك الحرارية. 

ماذا يجري في سماء الجنوب؟ 

أعلنت المقاومة الإسلامية في الشهر الماضي عدّة محاولة للرماية ضد الطائرات الإسرائيلية مع عدّة رمايات ناجحة أخرى ضدّ مسيّرات من طراز "هرمز-450" و"هرمز-900" تمّت على الأرجح باستخدام صواريخ من طراز 358. من الصعب معرفة نوع الصاروخ المستخدم نظرًا لأن الإعلام الحربي للمقاومة كان دومًا يقوم بقطع لقطة انفجار الصاروخ بالطائرة المسيّرة. 

في حالة الطائرات الحربيّة التي تمّ استهدافها في الجنوب، حتّى هذه اللحظة يبدو بأن الاستهدافات كانت تتمّ عبر صواريخ موجّهة محمولة على الكتف (MANPADS) وظهر هذا من خلال عدّة عوامل. 

أولًا كانت سرعة الصواريخ المستخدمة في اللقطات منخضفة بالمقارنة مع الصواريخ الكبيرة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بعدّة مرّات. ذلك أن ارتفاع اشتباك هذه المنظومات هو لا يزيد عن 4 كلم بالمتوسّط، وسيكون من الصعب عليها المحافظة على سرعة عاليّة عند الارتفاع بسبب محدودية حجم الدافع الصاروخي وكما وحجم الوقود المتاح. 

كانت الطائرات الإسرائيلية بُعيد إطلاق هذه الأنواع من الصواريخ تقوم بالارتفاع بشكل مفاجئ وخرق جدار الصوت، فلماذا ذلك؟ خرق جدار الصوت هنا يدلّ على تسارع وانتقال من سرعات ما تحت صوتية إلى سرعات ما فوق صوتية، بالتالي هذا يعني أن الطيّار يقوم بمحاولة التملّص من الصاروخ عبر الخروج من مظلّة التغطية الخاصّة به، الارتفاع فوق 4 كلم مثلًا. 

يتزامن ذلك مع إطلاق الشراك الخداعية المختلفة، وأهمها البالونات الحرارية التي تعمل على إظهار مصدر حراري آخر لخداع الصاروخ وإخفاء البصمة الحرارية للطائرة. ذلك لن ينفع بشكل كبير في حال إطلاق صواريخ أحدث يمكنها تمييز الشراك الدفاعية من الطائرات كما "الإيغلا" و"الفيربا" الروسيين مثلأً أو "الميثاق-3" الإيراني أو الـ"QW-18" الصيني الذي ظهر في العرض العسكري في عرمتى في عام 2023. 

حتى هذه اللحظة لا يظهر أي استخدام لصواريخ متوسّطة قد تكون محمولة على منصّات مما أشيع على وسائل الإعلام الغربية عن امتلاك الحزب لها كما "البوك إم-1" أو "البانتسير" مثلًا. 

ما هي خلفية هذه الإشتباكات؟ 

يظهر بأن الإسرائيليين يحاولون استدراج المقاومة على تفعيل دفاعاتها الجوّية عبر الاستفزاز. هذا خطر جدًا، ولكنه مثمر في حال نجاحه. يعني ما يحصل هو أن طائرتين أو أكثر تطيران على ارتفاعات منخفضة لإغراء الدفاعات الجويّة للمقاومة في ضربهما، ونحن هنا لا نتحدّث عن المنظومات المحمولة على الكتف، بل المنظومات الأكثر تعقيدًا والتي يمكن أن تشتبك على ارتفاعات تصل إلى ما فوق 10 كلم وقد تصل إلى العشرين كلم. فيكون من الصعب جدًا الهروب من دائرة اشتباكها في حال كان الارتفاع بهذا الانخفاض. 

في وقت طيران هذه المقاتلات الحربيّة، قد تكون مقاتلات حربيّة أخرى تحوم في منطقة قريبة تحمل ذخيرة موجّهة أو ذخيرة مضادّة للرادارات. يعني تنتظر كيف تفتح المقاومة راداراتها في حال وجدت كي ترمي عليها هذه الصواريخ أو الذخائر التي تتبع وتلحق موجات الرادار لتضرب المنظومة فتصبح بلا فائدة بدون الرادار. 

أو قد يكون هذا التكتيك ملحقًا بطائرة سطع إلكتروني من سرب "النحشون" أو حتى مسيّرة "هيرون TP إيتان" لتكشف مكان إطلاق الصواريخ تمهيدًا لضرب المنظومة. هذا فيما تعتمد الطائرات التي تطير على ارتفاع منخفض إما إلى الإنخفاض المفاجئ للهروب من الرادارات والاختباء بين التضاريس أو إلقاء الشراك الدفاعيّة والاستفادة من أنظمة الخداع والتشويش التي تكون مزوّدة بها. 

ماذا تفعل المقاومة في هذه الحالة؟ 

تقوم المقاومة حاليًا بمجرد إطلاق الصواريخ المحمولة على الكتف على هذه الطائرات لمحاولة دفعها لمغادرة الأجواء اللبنانية. وتستخدم هذه الصواريخ وليست الصواريخ الكبيرة في حال وجدت لعدّة أسباب. 

لا تريد المقاومة على يبدو كشف تكتيك دفاعها الجويّ حاليًا، فالموضوع هنا لا يختصّ فقط بنوع المنظومات نفسه بل يختصّ أيضًا بتكتيك الدفاع الجويّ، كما والتقسيمات الجغرافية وخطط كمائن موضوعة لوقت الحرب. في هذا الإطار، لا تجد المقاومة نفسها مضطرة لأن تكشف أي من خطتها الخاصّة بالحرب حتى ولو على حساب أن تعاني من بعض الخسائر، وتكتفي باستخدام ما يدركه ويعلم عنه الإسرائيلي. 

هنالك عامل آخر، وهو أن أي خطّة لتعطيل سلاح الجوّ الإسرائيلي بدون محاولة ضرب الأماكن التي تنطلق منها الطائرات هي خطّة ناقصة. سلاح الجوّ الإسرائيلي هو من أكثر الأسلحة تطوّرًا في العالم ويملك خبرة عالية في التعامل مع الدفاعات الجويّة الخصمة، بسبب امتلاكه التكنولوجيا الإلكترونية المتقدمة كما وقيامه بمناورات مستمرّة في هذا المجال. 

لذلك فإن التعامل مع سلاح الجوّ الإسرائيلي في ظروف معركة إسناد محدودة والتضحية بتراكم طويل من الدفاع الجويّ، في وقت يملك فيه الإسرائيليون خط إمداد آمن ومفتوح من أميركا، لا يبدو بالأمر الحكيم. يعني مهما امتلكت المقاومة من منظومات متقدّمة فإنها ستواجه صعوبة بالغة في مواجهة سلاح الجوّ الإسرائيلي بدون ضرب المطارات، مراكز القيادة والسيطرة، الرادارات، أجهزة الاتصال وغرف التحكم الجوّي وإدارة المعركة. 

في هذا الإطار، الموضوع مرتبط أكثر بحاجات الجبهة والضرورات العملاتيّة أكثر منه عدم وجود القدرة أو عدم وجود الجرأة الكافية لإسقاط هذه الطائرات الحربية. 

ماذا عن الصياد؟ 

في احدى الضربات الإسرائيلية على منطقة الزهراني في أيار/مايو الجاري، صوّر أحد المواطنين بالخطأ ما اعتقد أنه صاروخ إسرائيلي غير منفجر وما تبيّن لاحقًا بأنه صاروخ "صياد-2C" الإيراني الصنع. انتشر خبر هذا الصاروخ في الإعلام الإسرائيلي والغربي. وأظهر، ولو عن طريق الخطأ، أن المقاومة فعلًا تمتلك قدرات عسكرية من هذا النوع، أي صواريخ دفاع جوي متوسّطة المدى. 

يبلغ مدى صواريخ "صيّاد-2C" حوالى الـ75 كلم بحسب المصادر الإيرانية، وهي يمكنها أن تغطّي كلّ ارتفاع الطائرات الحربيّة الإسرائيلية. سرعته عالية جدًا وتبلغ حوالى الـ4.5 ماخ وهي أكثر من كافية للحاق ومطاردة الطائرات الحربية الإسرائيلية وإسقاطها. 

بحسب الإصدار، تملك هذه الصواريخ أنظمة توجيه مختلفة، فبعضها نصف نشط، أي يحتاج لتوجيه أرضي من قبل رادار اشتباك وبعضها الآخر يعمل عبر التتبّع النشط، أي أنها تملك رادارها الخاص، ولا تحتاج لمنصّة أرضيّة لتضيء الهدف لها، أي أنها تمنح الرامي في هذه الحالة الوقت الكافي للإنسحاب، نظرًا لأن آلياته أو منصة إطلاقه لا تصدر أي موجات رادارية تمكّن العدوّ من كشفه. 

أظهر وجود صاروخ "صياد-2 سي" في الجنوب أن المقاومة تمتلك فعلًا القدرة الكافية لإسقاط الطائرات الإسرائيلية، لكنّ المسألة هذ مرتبطة بطريقة إدارة المعركة وضروراتها، وما تحتاج له لتقليل الخسائر وتحقيق النصر. بشكل رئيسي التعامل مع سلاح الجو الإسرائيلي أمر معقّد جدًا نظرًا لكونه من الأكثر تقدمًا على الكوكب إذا لم يكن الأكثر تقدّمًا، لذلك فإنه من المستبعد أن نشهد أي تفعيل موسّع للدفاع الجويّ الأكثر تقدمًا وتعقيدًا للمقاومة إلا في حالة اندلاع حرب موسّعة.