اللغة التركمانية في العراق.. معركة الهوية في أرضٍ متعدّدة الوجوه

اليوم, 10:53
484

يدخل سعي المكوّنات القومية العراقية إلى إثبات هويتها من خلال لغتها الأم في سياق حراك سياسي بدأ في العراق بعد الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003 وما زال مستمراً، إذ تُصرّ المكوّنات على وضع لغتها إلى جانب اللغة العربية في المخاطبات الرسمية وجوازات السفر والوثائق، إلى جانب المناهج التدريسية في مناطق ومحافظات جغرافية مختلطة بالعراق.

وبعد إقرار اللغة الكردية لغة رسمية ثانية في العراق (2004)، إلى جانب اللغة العربية، واعتمادها بالتالي في جوازات السفر والوثائق الرسمية والمناهج التعليمية، تأتي محاولات تركمان العراق للتوصّل إلى الأمر نفسه، منذ سنوات. وقد نجح هؤلاء في تثبيت التركمانية بمحافظتَين هما كركوك في الشمال وصلاح الدين في الوسط. ففي أغسطس/ آب 2024، وجّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني باعتماد اللغة التركمانية رسمياً في محافظة كركوك ذات التركيبة السكانية المختلطة. وأمس الأحد، اعتُمدت اللغة التركمانية في محافظة صلاح الدين، إلى جانب اللغتَين العربية والكردية، بعد أن تقدّم عضو مجلس محافظة صلاح الدين عاطف النجار بطلب رسمي إلى رئيس المجلس علي الكريم لاعتماد اللغة التركمانية في المخاطبات الرسمية.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل


وينصّ دستور العراق الذي وُضع في عام 2004، في مادته الرابعة، على أنّ اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق. وقد شجّع هذا الأمر عرقيات وديانات في نينوى وكركوك وديالى على السعي إلى الحصول على إجراءات مماثلة، تتعلّق بلغاتهم الأم أو أعياد دينية خاصة بهم.

يقول السياسي العراقي عن المكوّن التركماني جبار البياتي إنّ "المكوّن التركماني هو مكوّن عراقي أصيل موجود في عدد من محافظات البلاد، ومن حقّنا أن نسعى إلى أن تكون لغتنا من ضمن اللغات المعتمدة، بصفتنا أحد المكوّنات الثلاثة الكبرى في البلاد". يضيف البياتي أنّ "استجابة رئيس الوزراء والحكومات المحلية لاعتماد اللغة التركمانية لغة رسمية يُعَدّ انتصاراً للهوية التركمانية بعد سنوات طويلة على تهميشها"، مشيراً إلى أنّ "اعتماد اللغة من أبسط حقوق المكوّن التركماني التي رحنا نطالب بها بعد عام 2003".

 

الزيجات المختلطة في العراق... مقاومة مجتمعية ناجحة للحروب

في سياق متصل، يرى الناشط العراقي في مجال حقوق الإنسان مروان العبيدي وجوب أن تخرج الهوية القومية من إطار العنصرية لتدخل في سياق التنوّع الثقافي بالبلاد. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "من المؤسف أن تتعاطى القوميات في العراق بعنصرية في ما خصّ إثبات لغتها"، لافتاً إلى أنّها "تتعامل مع هذا الملفّ بوصفه انتصاراً مع محاولة فرضه على رقع جغرافية أوسع، وهذا في حدّ ذاته يمثّل تفرقة وأزمة مكوّنات في البلاد".

وإذ يبيّن العبيدي أنّ "كلّ البلدان المحيطة بنا تضمّ قوميات عدّة، إلا أنّ ثمّة لغة رسمية واحدة، في حين تحصل كلّ المكوّنات على حقوقها وتؤدّي واجباتها"، يقول "لكنّنا في العراق نلاحظ أنّ الهوية القومية والهوية الطائفية تحوّلتا إلى خطر يهدّد بالتفرقة والأزمات السياسية. وقد تسبّب ذلك في مشكلات عدّة بسبب اللغة القومية، خصوصاً في كركوك حيث التركيبة السكانية مختلطة". ويشدّد الناشط العراقي على أنّ "نحن مع ضمان حقوق المكوّنات بالتساوي في المجتمع العراقي، وندعم أيّ توجه في هذا السياق، لكنّنا لا ندعم استغلال اللغات القومية ومحاولات تثبيتها لغات رسمية، وما ينتج عن ذلك من مشكلات وخلافات"، محمّلاً الحكومة والبرلمان العراقيَّين "مسؤولية تسوية هذا الملفّ".

من جهته، يقول عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي إنّ "الأمر لا يتعدّى التنافس السياسي والتسويق للأحزاب باسم الطوائف والمكوّنات لضمان البقاء". يضيف أنّ "لو كان العراق دولة مدنية تؤمن بالمواطنة والقانون من دون تمييز، لما وجدنا مثل هذه القرارات ذات الأبعاد السياسية".

يُذكر أنّ إزالة اللغة الكردية في مخاطبات عدد من وزارات محافظة كركوك في فترات سابقة أثارت غضب المكوّن الكردي، الأمر الذي استدعى شكاوى وتوجيهات حكومية جديدة إلى حين أُعيد اعتمادها. وقد نصّ قانون اللغات الرسمية، الذي صوّت عليه البرلمان العراقي في عام 2014، على أنّ اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان في الوحدات الإدارية حيث يمثّل التركمان أو السريان كثافة سكانية. ومنذ تشكيل أول حكومة عراقية بعد عام 2003، عمدت المؤسسات العراقية كافة، من بينها الرئاسات الأربع (البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية والقضاء) والوزارات ودوائرها الفرعية، إلى اعتماد اللغتَين العربية والكردية في كلّ مخاطباتها الرسمية من دون استثناء.


المصدر: العربي الجديد